surah_name
stringclasses
113 values
revelation_type
stringclasses
2 values
ayah
stringlengths
2
1.15k
tafsir_book
stringclasses
84 values
tafsir_content
stringlengths
0
644k
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ)
بيان أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعوذ من شر الوسواس الخناس والسورة مدنية كسابقتها على ما يستفاد مما ورد في سبب نزولها بل المستفاد من الروايات أن السورتين نزلتا معاً. قوله تعالى { قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس } من طبع الإِنسان إذا أقبل عليه شر يحذره ويخافه على نفسه وأحس من نفسه الضعف أن يلتجئ بمن يقوى على دفعه ويكفيه وقوعه والذي يراه صالحاً للعوذ والاعتصام به أحد ثلاثة إما رب يلي أمره ويدبره ويربيه يرجع إليه في حوائجه عامة، ومما يحتاج إليه في بقائه دفع ما يهدده من الشر، هذا سبب تام في نفسه، وإما ذو قوة وسلطان بالغة قدرته نافذ حكمه يجيره إذا استجاره فيدفع عنه الشر بسلطته كملك من الملوك، وهذا أيضاً سبب تام مستقل في نفسه. وهناك سبب ثالث وهو الإِله المعبود فإن لازم معبودية الإِله وخاصة إذا كان واحداً لا شريك له إخلاص العبد نفسه له فلا يدعو إلا إياه ولا يرجع في شيء من حوائجه إلا إليه فلا يريد إلا ما أراده ولا يعمل إلا ما يشاؤه. والله سبحانه رب الناس وملك الناس وإله الناس كما جمع الصفاة الثلاث لنفسه في قوله**{ ذلٰكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون }** الزمر 6 وأشار تعالى إلى سببية ربوبيته وألوهيته بقوله**{ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً }** المزمل 9، وإلى سببية ملكه بقوله**{ له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور }** الحديد 5 فإن عاذ الإِنسان من شر يهدده إلى رب فالله سبحانه هو الرب لا رب سواه وإن أراد بعوذه ملكاً فالله سبحانه هو**{ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير }** التغابن 1 وإن أراد لذلك إلهاً فهو الإِله لا إله غيره. فقوله تعالى { قل أعوذ برب الناس } الخ أمر لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعوذ به لأنه من الناس وهو تعالى رب الناس ملك الناس إله الناس. ومما تقدم ظهر أولاً وجه تخصيص الصفات الثلاث الرب والملك والإِله من بين سائر صفاته الكريمة بالذكر وكذا وجه ما بينها من الترتيب فذكر الرب أولاً لأنه أقرب من الإِنسان وأخص ولاية ثم الملك لأنه أبعد منالاً وأعم ولاية يقصده من لا ولي له يخصه ويكفيه ثم الإِله لأنه ولي يقصده الإِنسان عن إخلاصه لا عن طبعه المادي. وثانياً وجه عدم وصل قوله { ملك الناس إله الناس } بالعطف وذلك للإِشارة إلى كون كل من الصفات سبباً مستقلاً في دفع الشر فهو تعالى سبب مستقل لكونه رباً لكونه ملكاً لكونه إلهاً فله السببية بأي معنى أُريد السبب وقد مر نظير الوجه في قوله { الله أحد الله الصمد }. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | وبذلك يظهر أيضاً وجه تكرار لفظ الناس من غير أن يقال ربهم وإلههم فقد أُشير به إلى أن كلا من الصفات الثلاث يمكن أن يتعلق بها العوذ وحدها من غير ذكر الاخريين لاستقلالها ولله الأسماء الحسنى جميعاً، وللقوم في توجيه اختصاص هذه الصفات وسائر ما مر من الخصوصيات وجوه لا تغني شيئاً. قوله تعالى { من شرِّ الوسواس الخنَّاس } قال في المجمع الوسواس حديث النفس بما هو كالصوت الخفي انتهى فهو مصدر كالوسوسة كما ذكره وذكروا أنه سماعي والقياس فيه كسر الواو كسائر المصادر من الرباعي المجرد وكيف كان فالظاهر كما استظهر أن المراد به المعنى الوصفي مبالغة، وعن بعضهم أنه صفة لا مصدر. والخنّاس صيغة مبالغة من الخنوس بمعنى الاختفاء بعد الظهور قيل سمي الشيطان خناساً لأنه يوسوس للإِنسان فإذا ذكر الله تعالى رجع وتأخر ثم إذا غفل عاد إلى وسوسته. قوله تعالى { الذي يوسوس في صدور الناس } صفة للوسواس الخناس، والمراد بالصدور هي النفوس لأن متعلق الوسوسة هو مبدأ الإِدراك من الإِنسان وهو نفسه وإنما أُخذت الصدور مكاناً للوسواس لما أن الإِدراك ينسب بحسب شيوع الاستعمال إلى القلب والقلب في الصدر كما قال تعالى**{ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }** الحج 46. قوله تعالى { من الجنة والناس } بيان للوسواس الخناس وفيه إشارة إلى أن من الناس من هو ملحق بالشياطين وفي زمرتهم كما قال تعالى**{ شياطين الإِنس والجن }** الأنعام 112. بحث روائي في المجمع أبو خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال جاء جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو شاك فرقاه بالمعوذتين وقل هو الله أحد وقال بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء يؤذيك خذها فلتهنيك فقال بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الناس إلى آخر السورة. أقول وتقدم بعض الروايات الواردة في سبب نزول السورة. وفيه روي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم **" إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا نسي التقم فذلك الوسواس الخناس "** وفيه روي العياشي بإسناده عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم **" ما من مؤمن إلا ولقلبه في صدره أُذنان أُذن ينفث فيها الملك وأُذن ينفث فيها الوسواس الخناس فيؤيد الله المؤمن بالملك، وهو قوله سبحانه { وأيدهم بروح منه } "** وفي أمالي الصدوق بإسناده إلى الصادق عليه السلام قال لما نزلت هذه الآية { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } صعد إبليس جبلاً بمكة يقال له ثوير فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لم دعوتنا؟ قال نزلت هذه الآية فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال أنا لها بكذا وكذا. قال لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها. فقال الوسواس الخنّاس أنا لها. قال بماذا؟ قال أعدهم وأُمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار فقال أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة. أقول تقدم بعض الكلام في الشيطان في أوائل الجزء الثامن من الكتاب. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ)
أى قل - أيها الرسول الكريم - أعوذ وألتجئ وأعتصم " برب الناس " أى بمربيهم ومصلح أمورهم، وراعى شئونهم.. إذ الرب هو الذى يقوم بتدبير أمر غيره، وإصلاح حاله.. { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } أى المالك لأمرهم ملكا تاما. والمتصرف فى شئونهم تصرفا كاملا.. { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } أى الذى يدين له الناس بالعبودية والخضوع والطاعة لأنه هو وحده الذى خلقهم وأوجدهم فى هذه الحياة، وأسبغ عليهم من النعم ما لا يحصى.. وبدأ - سبحانه - بإضافة الناس إلى ربهم، لأن الربوبية من أوائل نعم الله - تعالى - على عباده، وثنى بذكر المالك، لأنه إنما يدرك ذلك بعد أن يصير عاقلا مدركا، وختم بالإِضافة إلى الألوهية، لأن الإِنسان بعد أن يدرك ويتعلم، يدرك أن المستحق للعبادة هو الله رب العالمين. قال الجمل وقد وقع ترتيب هذه الإِضافات على الوجه الأكمل، الدال على الوحدانية، لأن من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة، علم أن له مربيا، فإذا درج فى العروج.. علم أنه - تعالى - غنى عن الكل، والكل راجع إليه، وعن أمره تجرى أمورهم، فيعلم أنه ملكهم، ثم يعلم بانفراده بتدبيرهم بعد إبداعهم، أنه المستحق للألوهية بلا مشارك فيها.. وإنما خصت هذه الصفات بالإضافة إلى الناس - مع أنه - سبحانه - رب كل شئ - على سبيل التشريف لجنس الإِنسان، ولأن الناس هم الذين أخطأوا فى حقه - تعالى -، إذ منهم من عبد الأصنام، ومنهم من عبد النار، ومنهم من عبد الشمس إلى غير ذلك من المعبودات الباطلة التى هى مخلوقة له - تعالى -. قال صاحب الكشاف فإن قلت لم قيل " برب الناس " مضافا إليهم خاصة؟ قلت لأن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس فى صدور الناس. فكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم، الذى يملك عليهم أمورهم، كما يستغيث بعض الموالى إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالى أمرهم. فإن قلت " ملك الناس. إله الناس " ما هما من رب الناس؟ قلت هما عطفا بيان، كقولك سيرة أبى حفص عمر الفاروق. بين بملك الناس، ثم زيد بيانا بإله الناس.. فإن قلت فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذى هو الناس مرة واحدة؟ قلت أظهر المضاف إليه الذى هو الناس لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإِظهار دون الإِضمار.. وقوله - سبحانه - { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } متعلق بقوله { أَعُوذُ }. والوسواس اسم للوسوسة وهى الصوت الخفى، والمصدر الوِسْوَاس - بالكسر -، والمراد به هنا الوصف. من باب إطلاق اسم المصدر على الفاعل، أو هو وصف مثل الثرثار. و " الخناس " صيغة مبالغة من الخنوس، وهو الرجوع والتأخر، والمراد به الذى يلقى فى نفس الإِنسان أحاديث السوء. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | وقوله { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } صفة لهذا الوسواس الخناس وزيادة توضيح له.. وقوله { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } زيادة بيان للذى يوسوس فى صدور الناس، وأن الوسوسة بالسوء تأتى من نوعين من المخلوقات تأتى من الشياطين المعبر عنهم بالجِنّةِ.. وتأتى من الناس. وقدم - سبحانه - الجِنَّة على الناس، لأنهم هم أصل الوسواس، إذ أنهم مختفون عنا، ولا نراهم، كما قال - تعالى -**{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ }** فلفظ الجِنَّة - بكسر الجيم - مأخوذ من الجَنِّ - بفتح الجيم - على معنى الخفاء والاستتار. والمعنى قل - أيها الرسول الكريم - أعوذ وأعتصم وأستجير، برب الناس، ومالكهم ومعبودهم الحق، من شر الشيطان الموسوس بالشر، والذى يخنس ويتأخر ويندحر، إذا ما تيقظ له الإِنسان، واستعان عليه بذكر الله - تعالى -. والذى من صفاته - أيضا - أنه يوسوس فى صدور الناس بالسوء والفحشاء، حيث يلقى فيها خفية، ما يضلها عن طريق الهدى والرشاد. وهذا الوسواس الخناس، قد يكون من الجن، وقد يكون من الإِنس، فعليك - أيها الرسول الكريم - أن تستعيذ بالله - تعالى - من شر النوعين جميعا. قال - تعالى -**{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً... }** قال قتادة إن من الجن شياطين، وإن من الإِنس شياطين، فنعوذ بالله من شياطين الإِنس والجن. وقال الإِمام ابن كثير هذه ثلاث صفات من صفات الله - عز وجل - الربوبية، والملك، والألوهية. فهو رب كل شئ ومليكه وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له.. فأمر سبحانه - المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات، من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإِنسان، فإنه ما من أحد من بنى آدم، إلا وله قرين يزين له الفواحش.. والمعصوم من عمصه الله. وقد ثبت فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال **" " ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه " ، قالوا وأنت يا رسول الله؟ قال " نعم، إلا أن الله - تعالى - أعاننى عليه فأسلم، فلا يأمرنى إلا بخير ".** ومن الأحاديث التى وردت فى فضل هذه السور الثلاث الإِخلاص والمعوذتين، ما أخرجه البخارى عن عائشة - رضى الله عنها - **" أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه ثم ينفث فيهما فيقرأ هذه السور، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، ويبدأ بها على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات ".** | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ)
{ قل أعوذ برب الناس }. { ملك الناس }. { إله الناس }. { من شرِّ الوسواس } [يعني: ذا الوسواس] وهو الشيطان { الخناس } وهو الذي يخنس ويرجع إذا ذُكر الله، والشَّيطان جاثمٌ على قلب الإِنسان، فإذا ذَكر الله تنحَّى وخنس، وإذا غفل التقم قلبه فحدَّثه ومنَّاه، وهو قوله: { الذي يوسوس في صدور الناس }. { من الجِنَّة } أَيْ: الشيطان الذي هو من الجنِّ { والناس } عطف على قوله: الوسواس. والمعنى: من شرِّ ذي الوسواس ومن شر النَّاس، كأنَّه أُمر أن يستعيذه من شرِّ الجنِّ ومن شر النَّاس. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير المنتخب في تفسير القرآن الكريم / لجنة القرآن و السنة
1- قل: أعتصم برب الناس ومدبِّر شئونهم. 2- مالك الناس ملكاً تاماً حاكمين أو محكومين. 3- إله الناس القادر على التصرف الكامل فيهم. 4- من شر الموسوس للناس الذى يمتنع إذا استعنت عليه بالله. 5- الذى يُلقى - فى خفية - فى صدور الناس ما يصرفها عن سبيل الرشاد. 6- من الجن والإنس. الصفحة غير موجودة
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م)
شرح الكلمات: أعوذ: أي أتحصن وأستجير. برب الناس: أي خالقهم ومالكهم. ملك الناس: أي سيد الناس ومالكهم وحاكمهم. إله الناس: أي معبود الناس بحق إذ لا معبود سواه. من شر الوسواس: أي من شر الشيطان سمى بالمصدر لكثرة ملابسته له. الخناس: أي الذي يخنس ويتأخر عن القلب عند ذكر الله تعالى. في صدور الناس: أي في قلوبهم إذا غفلوا عن ذكر الله تعالى. من الجنة والناس: أي من شيطان الجن ومن شيطان الإِنس. معنى الآيات: قوله تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } هذه السورة هي إحدى المعوذتين الأولى الفلق وهذه الناس والأولى اشتملت على أربع خصال يستعاذ منها وهي من شر كل ذي شيء من سائر الخلق والثانية من شر ما يحدث في الظلام ظلام الليل أو ظلام القمر إذا غاب والثالثة من شر السواحر النفاثات في العقد والرابعة من شر حاسد إذا حسد وقد اشتملت هذه الأربع على كل ما يخاف لأذاه وضرره أما سورة الناس فإِنها قد اشتملت على شر واحد إلا أنه أخطر من تلك الأربع وذلك لتعلقه بالقلب، والقلب إذا فسد فسد كل شيء وإذا صلح صلح كل شيء ولذا كانت سورة الناس خاصة بالتعوذ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس. فقوله تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ مَلِكِ ٱلنَّاسِ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } أمر منه تعالى لرسوله وأمته تابعة له أعوذ أي أتحصن برب الناس أي خالقهم ومالكهم وإلههم الذي لا إله لهم سواه من شر الوسواس الذي هو الشيطان الموسوس في صدور الناس وذلك بصوت خفي لا يسمع فيلقى الشبه في القلب، والمخاوف والظنون السيئة ويزين القبيح ويقبح الحسن وذلك متى غفل المرء عن ذكر الله تعالى، وقوله تعالى { ٱلْخَنَّاسِ } هذا وصف للشيطان من الجن فإِنه إذا ذكر العبد ربه خنس أي استتر وكانه غاب ولم يغب فإِذا غفل العبد عن ذكر الله عاد للوسوسة. وقوله تعالى { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } يعني أن الموسوس للإِنسان كما يكون من الجن يكون من الناس والإِنسان يوسوس بمعنى يعمل عمل الشيطان في تزيين الشر وتحسين القبيح. والقاء الشبه في النفس، وإثارة الهواجس والخواطر بالكلمات الفاسدة والعبارات المضللة حتى إن ضرر الإِنسان على الإِنسان أكبر من ضرر الشيطان على الإِنسان، إذ الشيطان من الجن يطرد بالاستعاذة وشيطان الإِنس لا يطرد بها وإنما يصانع ويُدَارَى للتخلص منه اللهم إنا نعوذ بك من شر كل ذي شر ومن شر الإِنس والجن، فأعذنا ربّنا فإِنه لا يعيذنا إلا أنت ربنا ولك الحمد والشكر. هداية الآيات: من هداية الآيات: 1- وجوب الاستعاذة بالله تعالى من شياطين الإِنس والجن. 2- تقرير ربوبية الله تعالى وألوهيته عز وجل. 3- بيان لفظ الاستعاذة وهو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما بيّنته السنة الصحيحة إذ تلاحى رجلان في الروضة النبوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم **" إني أعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه أي الغضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".** | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ)
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } [آية: 1] أمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ برب الناس هو { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } [آية: 2] بملكهم فى برهم ومجرمهم، وفاجرهم، وصالحهم، وطالحهم، وهو { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } [آية: 3] كلهم { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } [آية: 4] وهو الشيطان في صورة خنزير معلق بالقلب في جسد ابن آدم، وهو يجري مجرى الدم، سلطه الله على ذلك من الإنسان، فذلك قوله: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [آية: 5] فإذا انتهى ابن آدم وسوس في قلبه حتى يتبلع قلبه، والخناس الذي إذا ذكر الله ابن آدم خنس عن قلبه، فذهب عنه، ويخرج عن جسده، ثم أمره الله أن يتعوذ { مِنَ } شر { ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [آية: 6] يعني الجن والإنس. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ)
ربّ الناس: الله عز وجلّ، مربي الناس، وراعي شئونهم. الوسواس: الموسوِس الذي يلقى حديثَ السوء في الأنفس. الخنّاس: الذي يتوارى ويختفي عندما يكون الانسانُ يقظاً مسلَّحاً بالإيمان، ويذكر الله. من الجِنّة: من الجنّ. { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } قل يا محمد، إنني أعتصِم بالله، الخالقِ، مربي الناس وألتجئ إليه. { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } مالك الناس ومدبّر أمورهم، حاكمين ومحكومين، هو يحكمهم جميعاً، ويربّيهم بإفاضة ما يُصْلِحُهم وما يدفع الضررَ عنهم. { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } هو معبودُهم الذي لا ربَّ لهم سواه، القادرُ على التصرّف الكامل بهم. وهذه ثلاث صفاتٍ من صفات الرب عز وجلّ: " الربوبية " و " الملك " و " الألوهية ". فهو ربّ كل شيء، ومليكُه والهه.. لذلك فقد أَمرنا أن نعوذَ به هو، المتصف بهذه الصفات السامية. ثم بين صفاتِ الوسواس بقوله: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } الوسواس الخنّاس الذي يُلقي في صدور الناس صنوفَ الوساوس والأوهام ليصرِفَهم عن سبيلِ الهدى والرشاد. وهذا الوسواسُ الخنّاس قد يكون من الجِنّ، وقد يكون من البشَر. كما جاء ذلك صريحا في قوله تعالى**{ شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً }** [الأنعام: 112]. وشياطينُ الإنسِ أشدُّ فتكاً وخطَرا من شياطين الجن. فكثيراً ما يأتيك إنسانٌ لئيم يُسدي إليك نصائحَ وهو كاذبٌ يقصِد من ورائها لَكَ الشرَّ فيدسُّ السّمَّ في الدَسَم. اللهم جَنّبنا كلّ شر، وادفع عنا أذى شياطين الإنس والجنّ. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ
* تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م)
(6) - وَقَدْ يَكُونُ هَذَا المُوَسْوِسُ مِنَ الجِنِّ، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ البَشَرِ. الجِنَّةِ - الجِنِّ. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ)
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ \* مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } يعني الشيطان، ويكون مصدراً واسماً. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ
* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ)
قوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ }: فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه بدلٌ من " شَرِّ " بإعادة العاملِ، أي: مِنْ شَرِّ الجِنة. الثاني: أنه بدلٌ مِنْ ذي الوَسواس؛ لأنَّ المُوَسْوِسَ من الجنِّ والإِنس. الثالث: أنَّه حالٌ من الضمير في " يُوَسْوِسُ " أي: يُوَسْوِس حالَ كونِه مِنْ هذين الجنسَيْنِ. الرابع: أنه بدلٌ من " الناس " وجَعَلَ " مِنْ " تَبْييناً. وأَطْلَقَ على الجِنِّ اسمَ الناس؛ لأنهم يتحرَّكون في مُراداتهم، قاله أبو البقاء. إلاَّ أنَّ الزمخشري أبطلَ فقال بعد أَنْ حكاه: " واسْتَدَلُّوا بـ**{ نَفَرٌ }** [الجن: 1] و**{ رِجَالٌ }** [الجن: 6] ما أحقَّه؛ لأن الجنَّ سُمُّوا جِنَّاً لاجتنانِهم والناسَ ناساً لظهورِهم، من الإِيناس وهو الإِبصار، كما سُمُّوا بَشَراً. ولو كان يقع الناسُ على القبيلَيْنِ وصَحَّ وثَبَتَ لم يكن مناسِباً لفصاحةِ القرآن وبعده مِنَ التَصَنُّع، وأَجْوَدَ من أن يرادَ بالناس الناسي كقولِه:**{ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ }** القمر: 6] وكما قرئ { مِنْ حيث أفاضَ الناسي } ثم بُيِّنَ بالجِنة والناس؛ لأنَّ الثَّقَلَيْن هما النوعان الموصوفانِ بنِسْيان حَقِّ اللَّهِ تعالى " قلت: يعني أنه اجتُزِئ بالكسرةِ عن الياء، والمرادُ اسمُ الفاعلِ، وقد تقدَّم تحقيق هذا في البقرة، وأَنْشَدْتُ عليه هناك شيئاً من الشواهد. الخامس: أنه بيانٌ للذي يوسوِسُ، على أن الشيطان ضربان: إنسِيُّ وجنيُّ، كما قال**{ شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [الأنعام: 112]. وعن أبي ذر: أنه قال لرجل: هل اسْتَعَذْتَ من شياطينِ الإِنس؟ السادس: أنَّه يتعلَّق بـ " يُوَسْوِس " و " مِنْ " لابتداءِ الغاية، أي: يُوَسْوِسُ في صدورِهم من جهة الجنِّ ومِنْ جهة الإِنس. السابع: أنَّ " والناس " عطفٌ على " الوَسْواس " أي: مِنْ شَرِّ الوَسْواس والناس. ولا يجوزُ عطفُه على الجِنَّةِ؛ لأنَّ الناسَ لا يُوَسْوِسُوْنَ في صدورِ الناس إنما يُوَسْوِس الجنُّ، فلمَّا استحالَ المعنى حُمِل على العطف على الوَسْواس، قاله مكي وفيه بُعْدٌ كبيرٌ لِلَّبْسِ الحاصلِ. وقد تقدَّم أنَّ الناسَ يُوَسْوِسون أيضاً بمعنىً يليقُ بهم. الثامن: أنَّ { مِنَ ٱلْجِنَّةِ } حالٌ من " الناس " ، أي: كائنين من القبيلين، قاله أبو البقاء، ولم يُبَيِّنْ: أيُّ الناسِ المتقدمُ أنه صاحبُ الحالِ؟ وعلى كلِّ تقديرٍ فلا يَصِحُّ معنى الحاليةِ [في شيءٍ منها]، لا الأولُ ولا ما بعدَه. ثم قال: " وقيل: هو معطوف على الجِنَّة " يريد " والناسِ " الأخيرَ معطوفٌ على " الجِنة " وهذا الكلامُ يَسْتدعي تقدُّمَ شيءٍ قبلَه: وهو أَنْ يكونَ " الناس " عطفاً على غير الجِنة كما قال به مكي ثم يقول: " وقيل هو معطوفٌ على " الجِنة " وفي الجملة فهو كلامٌ متسامَحٌ فيه [سامَحَنا الله] وإياه وجميعَ خلقِه بمنِّة وكَرَمِه وخَتَمَ لنا منه بخيرٍ، وخَتَم لنا رِضاه عنَّا وعن جميع المسلمين. وهذا آخِرُ ما تَيَسَّر لي من إملاءِ هذا الموضوعِ وحَصْرِ ما في هذا المجموعِ متوسِّلاً إليه بكلامِه متشفِّعاً لديه برسولِه محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم في أن يجعلَه خالصاً لوجهِه مُوْجِباً للفوز لديه، فإنه حسبي ونِعْمَ الوكيلُ. ووافق الفراغُ منه تصنيفاً وكتابة في العُشْرِ الأوسط من شهر رجبٍ الفردِ من شهورِ سنةِ أربعٍ وثلاثين وسبعمئة أحسنَ الله تقضِّيَها بمَنِّه وكَرَمِه. قاله وكتبه افقرُ عبيدِه إليه أحمدُ بنُ يوسفَ بنِ محمدِ مسعودٍ الشافعيُّ الحلبيُّ حامداً لله ربِّ العالمين ومُصَلِّياً على رسولِه الأمين وآلهِ وصحبِه أجمعين وسلَّم. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -)
اللغَة: { ٱلْوَسْوَاسِ } الشيطان الموسوس، مشتق من الوسوسة وهي الكلام الخفي وحديث النفس قال الأعشى: | **" تسمعُ لِلحَلْي وسْواساً إِذا انصرفت "** | | | | --- | --- | --- | { ٱلْخَنَّاسِ } الذي عادته أن يخنس أي يتوارى ويختفي ويتأخر يقال: خنس الظبي إِذا اختفى، وسمي الشيطان خناساً لأنه يتوارى ويختفي إِذا ذكر العبد ربه، فإِذا غفل عن ذكر الله عاد فوسوس له والخنوس: التأخر { ٱلْجِنَّةِ } بكسر الجيم الجنُّ جمع جني، وبضم الجيم الوقاية وفي الحديث **" الصوم جُنة "** أي وقاية من عذاب الله. التفسِير: { قُلْ أَعُوذُ } أي قل يا محمد أعتصم وألتجىء وأستجير { بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } أي بخالق الناس ومربيهم ومدبر شئونهم، الذي أحياهم وأوجدهم من العدم، وأنعم عليهم بأنواع النعم قال المفسرون: إِنما خصَّ الناس بالذكر - وإِن كان جلت عظمته رب جميع الخلائق - تشريفاً وتكريماً لهم، من حيث إِنه تعالى سخَّر لهم ما في الكون، وأمدهم بالعقل والعلم، وأسجد لهم ملائكة قدسه، فهم أفضل المخلوقات على الإِطلاق { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } أي مالك جميع الخلق حاكمين ومحكومين، ملكاً تاماً شاملاً كاملاً، يحكمهم، ويضبط أعمالهم، ويدبّر شئونهم، فيعز ويذل، ويغني ويُفقر { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } أي معبودهم الذي لا ربَّ لهم سواه قال القرطبي: وإِنما قال { مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } لأن في الناس ملوكاً فذكر أنه ملكهم، وفي الناس من يعبد غيره فذكر إِنه إِلههم ومعبودهم، وأنه الذي يجب إن يستعاذ به ويُلجأ إِليه، دون الملوك والعظماء، وترتيب السورة بهذا الشكل في منتهى الإِبداع، وذلك لأن الإِنسان أولاً يعرف أن له رباً، لما يشاهده من أنواع التربية { رَبِّ ٱلنَّاسِ } ثم إِذا تأمل عرف أن هذا الرب متصرفٌ في خلقه، غني عن خلقه فهو الملك لهم { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } ثم إِذا زاد تأمله عرف أنه يستحق أن يُعبد، لأنه لا عبادة إِلا للغني عن كل ما سواه، المفتقر إِليه كل ما عداه { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } وإِنما كرر لفظ الناس ثلاثاً ولم يكتف بالضمير، لإِظهار شرفهم وتعظيمهم والاعتناء بشأنهم، كما حسن التكرار في قول الشاعر: | **لا أرى الموتَ يسبقُ الموتَ شيء** | | **نغَّص الموتُ ذا الغِنَى والفقيرا** | | --- | --- | --- | قال ابن كثير: هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل " الربوبية " و " الملك " و " الإِلهية " فهو ربُّ كل شيء ومليكه وإِلهه، وجميع الأشياء مخلوقة ومملوكة له، فأُمر المستعيذُ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } أي من شر الشيطان الذي يلقي حديث السوء في النفس، ويوسوس للإِنسان ليغريه بالعصيان { ٱلْخَنَّاسِ } الذي يخنس أن يختفي ويتأخر إِذا ذكر العبد ربه، فإِذا غفل عن الله عاد فوسوس له وفي الحديث **" إِن الشيطان واضح خطمه - أنفه - على قلب ابن آدم، فإِذا ذكر الله خنس، وإِذا نسي الله التقم قلبه فوسوس "** | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | " { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } أي الذي يلقي لشدة خبثه في قلوب البشر صنوف الوساوس والأوهام قال القرطبي: ووسوستُه هو الدعاء لطاعته بكلام خفي يصل مفهومه الى القلب من غير سماع صوت { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } { مِنَ } بيانية أي هذا الذي يوسوس في صدور الناس، هو من شياطين الجن والإِنس كقوله تعالى**{ شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً }** [الأنعام: 112] فالآية استعاذة من شر الإِنس والجن جميعاً، ولا شك أن شياطين الإِنس، أشدُّ فتكاً وخطراً من شياطين الجن، فإِن شيطان الجن يخنس بالاستعاذة، وشيطان الإِنس يزين له الفواحش ويغريه بالمنكرات، ولا يثنيه عن عزمه شيء، والمعصوم من عصمه الله. البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي: 1- الإِضافة للتشريف والتكريم { أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } وفي الآيتين بعدها. 2- الأطناب بتكرار الاسم { رَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ\* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } زيادة في التعظيم لهم، والاعتناء بشأنهم، ولو قال (ملكهم، إِلههَم) لما كان لهم هذا الشأن العظيم. 3- الطباق بين { ٱلْجِنَّةِ } و { ٱلنَّاسِ }. 4- جناس الاشتقاق { يُوَسْوِسُ..و.. ٱلْوَسْوَاسِ } ثم ما في السورة من الجرس الموسيقي، الذي يفضل الألحان بعذوبة البيان، وذلك من خصائص القرآن. تنبيه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أوى إِلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } والمعوذتين، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاثاً ".** | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -)
هذه ثلاث صفات من صفات الرب عزَّ وجلَّ: (الربوبية) و(الملك) و(الإلٰهية)، فهو رب كل شيء ومليكه وإلٰهه، فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } وهو الشيطان الموكل بالإنسان فإنه ما من أحد من بني آدم إلاّ وله قرين يزيّن له الفواحش، ولا يألوه جهداً في الخبال، والمعصوم من عصمه الله، وقد ثبت في الصحيح: **" " ما منكم من أحد إلاّ وقد وكل به قرينه " قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: " نعم إلاّ أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلاّ بخير " "** وثبت في الصحيحين **" إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً - أو قال - شراً "** وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي، عن أنَس بن مالك، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس "** وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب، قال ابن عباس في قوله: { ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس. وقوله تعالى: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر، أو يعم بني آدم والجن؟ فيه قولان، ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليباً، وقوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } هل هو تفصيل لقوله: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } ثم بيّنهم فقال: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } وهذا يقوي القول الثاني، وقيل قوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } تفسير للذي يوسوس في صدور الناس من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى:**{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً }** [الأنعام: 112]، وكما قال الإمام أحمد عن أبي ذر قال: **" أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال: " يا أبا ذر هل صليت؟ " قلت: لا، قال: " قم فصل " قال: فقمت فصليت، ثم جلست فقال: " يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن " ، قال، فقلت: يا رسول الله وللإنس شياطين؟ قال: " نعم " "** ، وروى الإمام أحمد، عن ابن عباس قال: **" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء، لأن أخر من السماء أحب إليّ من أن أتكلم به، قال؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة " ".** | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ)
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } إن قيل لم أضاف الرب إلى الناس خاصة وهو رب كل شيء؟ فالجواب: أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس، فخصهم بالذكر لأنهم المعوذين بهذا التعويذ والمقصودون هنا دون غيرهم { مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } هذا عطف بيان، فإن قيل: لم قدم وصفه تعالى برب ثم بملك ثم بإلٰه؟ فالجواب أن هذا على الترتيب في الارتقاء إلى الأعلى وذلك أن الرب قد يطلق على كثير من الناس، فيقال فلان رب الدار، وشبه ذلك فبدأ به لاشتراك معناه، وأما الملك فلا يوصف به إلا أحد من الناس، وهم الملوك ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس، فلذلك جاء به بعد الرب، وأما الإلٰه فهو أعلى من الملك ولذلك لا يدعي الملوك أنهم آلهة فإنما الإلٰه واحد لا شريك له ولا نظير فلذلك ختم به. فإن قيل: لم أظهر المضاف إليه وهو الناس في المرة الثانية والثالثة فهلا أضمره في المرتين لتقديم ذكره في قوله برب الناس أو هلا اكتفى بإظهاره في المرة الثانية؟ فالجواب أنه لما كان عطف بيان حسن فيه البيان وهو الإظهار دون الإضمار، وقصد أيضاً الاعتناء بالمكرر ذكره كقول الشاعر: | **لا أرى الموت يسبق الموت شيء** | | **يبغص الموت ذا الغنى والفقير** | | --- | --- | --- | { ٱلْوَسْوَاسِ } وهو مشتق من الوسوسة وهي الكلام الخفي، فيحتمل أن يكون الوسواس بمعنى الموسوس فكأنه اسم فاعل وهذا يظهر من قول ابن عطية: الوسواس من أسماء الشيطان، ويحتمل أن يكون مصدراً وصف به الموسوس على وجه المبالغة، كعدَّل وصوَّم أو على حذف مضاف تقديره ذي الوسواس، وقال الزمخشري: إنما المصدر وسواس بالكفر { ٱلْخَنَّاسِ } معناه الراجع على عقبه المستمر أحياناً وذلك متمكن في الشيطان فإنه يوسوس فإذا ذكر العبدُ الله وتعوذ به منذ تباعد عنه، ثم رجع إليه عند الغفلة عن الذكر، وهو يخنس في تباعده ثم في رجوعه بعد ذلك. { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } وسوسة الشيطان في صدر الإنسان بأنواع كثيرة منها: إفساد الإيمان والتشكيك في العقائد فإن لم يقدر على ذلك أمره بالمعاصي، فإن لم يقدر على ذلك ثبَّطه عن الطاعات، فإن لم يقدر على ذلك أدخل عليه الرياء في الطاعات ليحبطها، فإن سلم من ذلك أدخل عليه العُجْب بنفسه، واستكثار عمله، ومن ذلك أنه يوقد في القلب نار الحسد، والحقد، والغضب، حتى يقود الإنسان إلى شر الأعمال وأقبح الأحوال. وعلاج وسوسته بثلاثة أشياء. واحدها: الإكثار من ذكر الله. وثانيها: الإكثار من الاستعاذة بالله منه ومن أنفع شيء في ذلك قراءة هذه السورة. وثالثها: مخالفته والعزم على عصيانه. فإن قيل: لم قال في صدور الناس ولم يقل: في قلوب الناس؟ فالجواب: أن ذلك إشارة إلى عدم تمكن الوسوسة، وأنها غير حالة في القلب بل هي محوِّمة في صدور حول القلب { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } هذا بيان لجنس الوسواس وأن يكون من الجن، ومن الناس، ثم إن الموسوس من الإنس يحتمل أن يريد من يوسوس بخدعه، وأقواله الخبيثة، فإنه الشيطان كما قال تعالى: | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | **{ شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [الأنعام: 112] أو يريد به نفس الإنسان إذ تأمره بالسوء، فإنها أمّارة بالسوء والأول أظهر، وقيل: من الناس معطوف على الوسواس كأنه قال: أعوذ من شر الوسواس من الجنة ومن شر الناس، وليس الناس على هذا ممن يوسوس. والأول أظهر وأشهر. فإن قيل: لم ختم القرآن بالمعوذتين وما الحكمة في ذلك؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول: قال شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: لما كان القرآن من أعظم النعم على عباده، والنعم مظنة الحسد فختم بما يطفئ الحسد من الاستعاذة بالله. الثاني: يظهر لي أن المعوذتين ختم بهما **" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيهما: أنزلت عليّ آيات لم ير مثلهن قط "** كما قال في فاتحة الكتاب: **" لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها "** فافتتح القرآن بسورة لم ينزل مثلها واختتم بسورتين لم يُرَ مثلهما ليجمع حسن الافتتاح والاختتام، ألا ترى أن الخطب والرسائل والقصائد وغير ذلك من أنواع الكلام إنما ينظر فيها إلى حُسن افتتاحها واختتامها. الوجه الثالث: يظهر لي أيضاً أنه لما أمر القارئ أن يفتتح قراءته بالتعوذ من الشيطان الرجيم، ختم القرآن بالمعوذتين ليحصل الاستعاذة بالله عند أول القراءة وعند آخر ما يقرأ من القراءة، فتكون الاستعاذة قد اشتملت على طرفي الابتداء والانتهاء، وليكون القارئ محفوظاً بحفظ الله الذي استعاذ به من أول أمره إلى آخره وبالله التوفيق لا رب غيره. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ)
{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ \* قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } الآية تقدم أنها نزلت مع ما قبلها وأضيف الرب إلى الناس لأن الاستعاذة من شر الموسوس في صدورهم استعاذوا بربهم مالكهم وإلههم كما يستعيذ العبد بمولاه إذا دهمه أمر والظاهر أن { مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } صفتان و { ٱلْخَنَّاسِ } الراجع على عقبه المستتر أحياناً وذلك من الشيطان متمكن إذا ذكر العبد الله تأخر ومن في من الجنة والناس للتبعيض أي كائناً من الجنة والناس فهي في موضع الحال أي ذلك الموسوس هو بعض الجنة وبعض الناس **" وكان عليه السلام إذا آوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ: قل هو الله أحد والمعوذتين ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ برأسه ووجهه ما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثاً صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم وبارك وترحم ".** " والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم ". | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ
* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ)
قِيْلَ: ذلك عائدٌ على الوسواسِ، كأنه قالَ: شرِّ الوسواسِ الذي هو من الجِنَّةِ، والوسواسِ الذي هو من الناسِ. ويقالُ: معناه: من شرِّ كلِّ ماردٍ من الجنِّ والإنسِ. وَقِيْلَ: إنَّ قولَهُ تعالى { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } عائدٌ على لفظ الناسِ المذكور في قولهِ تعالى: { فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ }؛ لأن اسمَ الناسِ يصلحُ للإنس والجنِّ، كما قال تعالى**{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6] فجعلَهم رجالاً، والشيطانُ يوسوس في صدور الجنِّ، كما يوسوسُ في صدور الإنس، ودليلُ هذا قولهُ تعالى في أوَّل السورةِ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } أرادَ به ربَّ الإنس والجنِّ جَميعاً. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ)
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } إلى آخرها. (المعنى: اقرأ يا محمد: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } فأَثْبَتَ " قُلْ " فِي قَرَاءَتِهِ كما أُمِرَ، أي): قل [يا] محمد، أستعيذ برب الناس، وهو الله جل ذكره، { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } ، وهو الله. وخص الناس بالذكر وهو تعالى جل ذكره رب جميع الخلق وملِكُهم، لأن بعض الناس كان يُعَظِّم بعض الناس تعظيم المؤمنين ربهم، فأَعْلَمَهُم [الله] أنه رب من [يعظمونه] وملكهم [يجري] عليهم [سلطانه] وقدرته. ثم قال تعالى: { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } أي: معبود الناس، لا تجب العبادة لغيره. ثم قال: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ }. أي الشيطان الخناس، يعني الشيطان يخنس مرة ويوسوس (أخرى، فيخنس إذا ذكره العبد ربه، ويوسوس من صدور الرجل) إذا غفل عن ذكر ربه. قال ابن عباس: " الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل [وسوس]، [وإذا] ذكر الله خنس، فذلك قوله: { ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } وقال مجاهد: ينبسط الشيطان فإذا ذكر الله خنس وانقبض، فإذا غفل الإنسان انبسط، وهو قول قتادة. وقال ابن زيد: يوسوس مرة، (ويخنس مرة) من الجن والانس وكان يقول: شيطان الإنس أشد على الناس من شيطان الجن، لأن شيطان الجن يوسوس (ولا تراه، وشيطان [الانس] يعاينك معاينة). وعن ابن عباس أن الشيطان يوسوس بالدعاء إلى طاعته في صدور الناس حتى يستجاب له إلى ما دعا من طاعته، فإذا [استجيب] له إلى ذلك خنس. يقال: خنس: إذا استتر، وخنست عنه: تأخرت، وأخنست عنه حقه سترته. وقوله جل ذكره: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ \* مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } قيل: إن { ٱلنَّاسِ } المتأخر هنا يراد به الجن، وذلك أنهم سموا ناساً كما سموا رجالاً في وقوله:**{ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6]. وحُكِيَ عن بعض العرب أنه قال: جاء قوم [من الجن]، وقد قال الله في مخاطبة الجن لأصحابهم:**{ يٰقَوْمَنَآ }** [الأحقاف: 30] فسموا قوماً [كما يسمى الأنس]. والجنة جمع جنى كما يقال: إنسيّ وإنس، والهاء لتأنيث الجماعة مثل: حجار وحجارة. وقال علي بن سليمان: قوله { وَٱلنَّاسِ } (معطوف) على { ٱلْوَسْوَاسِ } ، والتقدير: قل اعوذ برب الناس من الوسواس والناس، فيكون { ٱلنَّاسِ } على هذا القول يعني به الإنس. وروت عائشة رضي الله عنها **" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } (ثم) يمسح (بهما) ما استطاع (من جسده) يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. ".** صلى الله عليه وسلم (وشرف وكرم ومجد). | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ)
قوله - عز وجل -: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }: ظاهره أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء مشار إليه، وهو التعوذ، وحق الإجابة في مثله أن [يقول: أعوذ، لا أن يقول: { قُلْ أَعُوذُ } ] لكنه - والله أعلم - يخرج على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك أنزل بحق أن يصير ذلك أمرا لكل من بلغه، وتعليما بالذي عليه من الاعتصام بالله - تعالى - والالتجاء إليه من شر الذي ذكره؛ ليعيذه، وتكون الإعاذة بوجهين: أحدهما: في تذكير ما عرفه من الحجج في دفع ما يخطر بباله من المكروه. والثاني: باللطف الذي لا يبلغه علم الخلق، ولا تدركه عقولهم مما لديه نفع الأمن من الزيغ مما حقه الإفضال، والذي ذلك حقه، فلله - تعالى - أن يكرم به العبد مبتدئا، وله أن يقدم فيه محنة السؤال والاعتصام به؛ على الإكرام أيضا، ويلزم على من عصم به عن الزلة، أو هدي إلى حسنة: الشكر لله - تعالى - فيما ابتدأه أو أكرمه به عند السؤال. والوجه الثاني من وجهي الخطاب: أن يكون الخطاب لغيره، [وإن كان] راجعا إلى مشار إليه، فهو مما يشترك في معناه غيره؛ فأبقى وأثبت ما به يصير مخاطبا من بلغ ذلك، وهو قوله - تعالى -: { قُلْ } حتى يدوم هذا إلى آخر الدهر، وعلى هذا جميع ما فيه حرف الكلفة والمحنة - أعني: صيغة الأمر - والله الموفق. ثم في قوله - تعالى -: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ... } إلى آخر السورة وجهان من الحكمة، فيهما نقض قول أهل الاعتزال: أحدهما: أن المحنة قد ثبتت بالامتناع عن طاعة الشيطان والمخالفة له: فإما أن كان الله - تعالى - أعطاه جميع ما يقع به الامتناع حتى لا يبقى عنده مزيد، أو لا يعطيه جميع ذلك، بل بقي عنده شيء منه. فإن كان قد أعطاه، فهو بطلب ذلك بالتعوذ والاعتصام بالله - تعالى - كاتم لما أعطاه، طالب ما ليس عند الله - تعالى - فيكون الأمر بالتعوذ محنة وأمرا بما به كتمان ذلك، وذلك حين استوفاه يكون إنكاره ستر نعم الله - تعالى - وقد تبرأ عن الأمر بالفحشاء والمنكر، وبين أن ذلك عمل الشيطان. ثم في المحنة بهذا محنة بالاستهزاء بالله تعالى؛ لأنه يطلب منه ما يعلم أنه لا يملكه، ولا يجده عند نفسه، وذلك من علَم الهزء عند ذوي العقول، فمن ظن أن الله - تعالى - يمتحن عباده ويأمرهم بشيء مما ذكرنا، فهو جاهل بالله - تعالى - وبحكمته وإن لم يكن الله تعالى [يمتحن عباده، ويأمرهم بشيء مما ذكرنا؛ فهو جاهل] [بما] أعطاه وعنده بعد ذلك. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | ثم كان من مذهبهم أنه ليس لله - تعالى - أن يمتحنهم بفعل إلا بعد إيتاء جميع ما عنده مما به قوامه ووجوده؛ ففي ذلك اعتراف بلزوم المحنة وتوجه التكليف قبل إيتاء جميع ما عنده مما به الوصول إلى ما أمر به، وذلك ترك مذهبهم مع ما كان عندهم أنه لو كان عند الله - تعالى - أمر ومعنى، لا يقع فعل المختار؛ لأجل أنه لا يعطيه ذلك - لم يكن له أن يمتحنه، وهو بالامتحان جائر. وإما أن سألوه بفعل قد أمر به، وإن لم يكن أعطاه ذلك، وهم ما وصفوا الله - تعالى - بمثل ذلك أو بفعل يتلو وقت الأمر ذلك؛ فيكون إعطاء ذلك وقت الأمر؛ فكأنه ظن أن ي]أمر ولا يعطي حتى يُسأل، وذلك حرف الجور. ثم الأصل الذي اطمأن به قلوب الذين يعرفون الله - تعالى - أنه متى هدى الهداية التي يسأل أو عصم العصمة التي يطلب، أو وفق لما يرجو من الفعل، أو أعانه عندما يخاف أنه كان ذلك لا محالة، وتحقق بلا شبهة، ويأمن لديه من الزيغ والضلال، وعلى ذلك جبلوا مما لا نجد غير معتزلي إلا وقد اطمأن قلبه به، حتى يعلم أن هذا منه وقع المجبول عليه بالتقليد، ولا قوة إلا بالله تعالى. وقوله - عز وجل -: { بِرَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } ، ولم يقل: " أعوذ برب الخلق " ، وهذا أعم من الأول، وإضافة كلية الأشياء إليه، أو إضافته إلى الكل بالربوبية من باب التعظيم لله - تعالى - فما كان أعم فهو أقرب في التعظيم، فهذا - والله أعلم - يخرج على أوجه: أحدها: أراد التعريف، وبهذا يقع الكفاية في معرفة من يفزع إليه ممن يملك ذلك، ليعوذ منه، لكنه ذكر**{ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }** [الفلق: 1] في موضع، و { بِٱللَّهِ } في موضع، و { بِكَ } في موضع، كقوله - تعالى -:**{ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ }** [المؤمنون: 97]، وقال:**{ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ }** [غافر: 56]؛ ليعلم به من سعة الأمر وتحقيق الفزع، والرجوع إلى الله - تعالى - عند نزول ما ينزل بالمرء مما يخاف على نفسه، ويشغل قلبه - أن له ذكر ما يحضره من أسماء الله - تعالى - أي اسم كان؛ إذ ما من اسم إلا وفيه دلالة على نعمه وسلطانه وقدرته وعظمته؛ ليكون في ذلك توجيه الملك إليه وإخلاص الحمد له بإضافة النعم؛ فيكون ذلك من بعض ما به التشفع إلى الله - تعالى - من ذكر قدرته وإحسانه، وأرفع ذلك في ذكر الناس بالإضافة إليه. والثاني: أن الذين عرف فيهم الأرباب والملوك والعبادات لمن دون الله - تعالى - هم الإنس دون غيرهم؛ فأمر أهل الكرامة بمعرفة الله - تعالى - والعصمة عن عبادة غيره، والاعتراف بالملك والربوبية [له] -: أن يفزعوا إليه عما ذكر، ذاكرين لذلك، واصفين بأنه الرب لهم، والملك عليهم، والمستحق للعبادة لا غير. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | أو لما كان للوجوه التي ذكرنا ضل القوم من اتخاذهم أربابا دون الله تعالى. أو نزولهم على رأي ملوكهم في الحل والحرمة، وفي البسط والقبض. أو عبادتهم غير الله - تعالى - وفزعهم إليه؛ فأمر الله - تعالى - أهل الكرامة بما ذكرت الفزع إلى الذي يذكر بهذه الأوصاف على الحقيقة على نحو فزع الضالين إلى أربابهم وملوكهم والذين عبدوهم دونه؛ إذ إليه مفزع الكفرة - أيضا - عند الإياس عمن اتخذوهم دون الله؛ لنصرتهم ومعونتهم، والله أعلم. والثالث: أن المقصود من خلق هذا العالم هم الذين نزلت فيهم هذه السورة، وغيرهم كالمجعول المسخر لهم، قال الله - تعالى -:**{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً }** [البقرة: 29]، وقال:**{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ... }** الآية [الجاثية: 12]، وقال الله - تعالى -:**{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً... }** الآية [البقرة: 22]، فإذا قيل: { بِرَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ } ، فكأنه قيل: " برب كل شيء " ، لأن ما سواهم جعل لهم، وذكر الخلق والتوجيه إليه في الاستعاذة والاستعانة هو اعتراف بألا يملك غيره ذلك؛ فاستوى الأمران، والله أعلم. وقيل: في { بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }: مصلح الناس، وذلك يرجع إلى أن به صلاحهم في الدين وفي النفس. وقيل: ملك الناس؛ على الإخبار بأن الملك له فيهم جميعا، وفي الخلق مما لم يذكر فيه وجه الملك؛ فبين أن ذلك كله في التحقيق لله - تعالى - وملكه، ولغيره يكون من جهته على ما أعطي لهم بقدر ما احتاجوا إليه. وقيل: سيدهم، لكن لفظة " السيد " لا تذكر لمالك غير الناس، ويوصف بالرب والملك والمالك على الإضافة لا مطلقا، يقال: رب الدار، ومالك الجارية، وملك المصر، ونحو ذلك، فكأنه أقرب. وقوله - عز وجل -: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ }: سمى الذي يوسوس بأنه وسواس وخناس، وقيل في وتأويله من وجهين: أحدهما: أنه يوسوس لدى الغفلة، ويخنس عند ذكر الله تعالى، أي: يخرج ويذهب. وقيل: يخنس: لا يرى، ولا يظهر، كقوله - تعالى -:**{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ }** [الأعراف: 27]؛ ولهذا قيل في الجواري الكنس: إنهن يطلعن من مطالعهن، ويخنسن بالنهار، أي: يختفين. وجائز أن يكون قوله - عز وجل -: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ \* مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } صير الموسوس في صدور الناس من الجنة والناس. وقيل - أيضا -: على التقديم والتأخير، معناه: قل أعوذ برب الناس من الجنة والناس الذي يوسوس في صدور الناس. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | أما الوسوسة فهي أمر معروف، وذلك بما يلقى من الكلمات التي تشغل القلب وتحير في أمر الدين، بما لا يعرف الذي يلقى إليه المخرج من ذلك، وعلى ذلك أمر أهل الأهواء، وأصناف الكفرة؛ كقوله - تعالى -:**{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ }** [الأنعام: 112]، وقوله - عز وجل -:**{ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ }** [الأنعام: 121]، وأما شياطين الجن، فهو أمر ظاهر عند جميع أهل الأديان ومن آمن بالرسل عليهم السلام، لكن الدهرية ومنكري الرسل يقولون: ليس في الجن شياطين؛ وإنما هو أمر يُخَوَّف به مدعو الرسالة؛ ليلزموا الخلق الاستماع إليهم في تعرف الجهل وما عندهم في دعواهم من العلوم والمعارف، وهذا لسفههم قالوا، ولو أنهم تأملوا في ذلك، لعرفوا أنهم على غير بحث عما ألزمهم ضرورة العقل الطلب، ودعتهم إلى البحث عنه ما مستهم من الحاجة، وهي الخواطر التي تقع في القلوب، والخيالات التي تعرض في الصدور، منها [ما] إذا صورت وجدت قباحا، ومنها ما إذا صورت وجدت حسانا، ولا يجوز وقوع أمر أو كون شيء بعد أن لم يكن من قبل نفسه؛ للإحالة في أن يصير لا شيء بنفسه شيئا قبيحا أو حسنا بلا مدبر، وقد علم جميع الإنسان بالذي ذكرت من الابتلاء به مما يعلم أنه لم يكن من نفسه معنى يحدث له ذلك؛ فثبت أن قد كانت الضرورة تلزم البحث عن ذلك. ثم لا يعلم من حيث طلب الأبدان الموجبة لها ولا في العقول - أيضا - دركها؛ فيجب بها أمران منعهم عن العلم بهما القنوع بالجهل وحب الراحة: أحدهما: القول بالصانع، ودخول العالم تحت تدبير حكيم عليم قدير. والآخر: القول بالرسالة تأتيهم من عند علام الغيوب، وإذا كان ذلك بحيث لا يبلغه علم البشر فيعرف حقيقة ذلك؛ فَيُعْلم عند النظر والبحث أمران عظيمان: أحدهما: الرسل بما معهم من المعجزات، فيقولون بهم، وبالتوحيد بما رأوا من الآيات الصدق؛ إذ قد علموا أن في الأخبار صدقا، لولا ذلك لكانوا لا يدعون شيئا؛ إذ هو خبر [له]. والثاني: يلزمهم بما يعاينوا من مرجح الأمر من غير الحكماء أنها تقع متفاوتة مضطربة، والعالم بما خرج متسقاً على الحكمة والمصلحة؛ فعلموا أنه كان بمدبر حكيم يعلم ما به المصالح؛ فيلزمهم به أمران أيضاً: التوحيد والرسالة، ولا قوة إلا بالله. والأصل عندنا بتمكين الشيطان ما ذكرنا من الوسوسة أن الشيطان والملك خَلْقَان لله تعالى عرفناهما بالرسل - عليهم السلام - وبما بيَّنَّا من ضرورة الحاجة إلى العلم ممن بإلقائه يصير عند التصوير قبيحاً أو حسناً، فيأتيان جميعاً بما مكنهما الله تعالى من الأمرين جميعاً: أمر الملائكة الخير والحكمة فيسهل عليه سبيله بتيسير الله تعالى وفضله، وأمر الشيطان الضلال والشر فييسر عليه، حتى صار الخير للأول كالطبع، والشر للثاني كذلك، فإذن كان كل واحد ممكناً من الأمرين، قال الله تعالى: | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | **{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ \* وَصَدَّقَ... }** [الليل: 5-6] إلى قوله - عز وجل -:**{ لِلْعُسْرَىٰ }** [الليل: 10]، وقال الله - عز وجل -:**{ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ... }** إلى قوله تعالى:**{ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ }** [الأنعام: 125]. ثم الأصل في الإنس أنهم امتحنوا بحقوق بينهم وبين الله تعالى وبحقوق فيما بينهم، وكلفوا تثبيت الملائكة إياهم [بقوله] عز وجل:**{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ }** [الأنفال: 12] وأمروا برد ما يوسوس إليهم الشيطان بقوله تعالى:**{ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً }** [فاطر: 6] وغير ذلك. وعلى ذلك خلقت الملائكة ممتحنين بالكتابة على البشر بقوله:**{ كِرَاماً كَاتِبِينَ }** [الانفطار: 11] فتكون الحكمة في تكليف التمكين ما وصف من محنة الله تعالى إياهم طاعتهم في أنفسهم وفيما مكنوا من غيرهم، على ما ذكرت من أمر الإنس، وحكمة ذلك للإنس إلزام التيقظ والنظر فيما يقع في قلبه من الخواطر؛ ليعلم الذي له والذي عليه. وكذلك في تكليف الملائكة كتابة قوله وفعله؛ ليكون متيقظاً ومتنبهاً في كل أفعاله وأحواله كتيقظه فيما كان الأولياء والأعداء من الكاتبين الظاهرين عليه أنه يحذر كل الحذر عما يؤذي وليه، ويقبل على كل أمر فيه نفع بما أمَّل، ويحذر عدوه أشد الحذر؛ لئلا يؤذيه من حيث لا يعلم، فيتهمه كل تهمة. ثم معلوم ألا يمل الكتبة إلا بعد إحكامه وإصلاحه غاية ما يحتمل الوسع، فعلى ذلك فيما خفي؛ إذ هم في العقول في درك ما منهم وما عليهم كالذين ذكر لهم ممن ظهروا لأبصارهم، والله الموفق. وكذلك صلحت المحنة والأمر في صحبة الأولياء والأعداء بحق الولاية والعداوة فيما لا يرون صلاحها وفيما يرون؛ إذ من الوجه الذي فيه الولاية والعداوة مرئية لأبصار القلوب والعقول؛ فيمكن الحذر والمعاملة جميعاً، وعلى هذا التقدير لم يمكن الله أعداءه الذين لا يرون من معاداتهم بأفعال من أبدانهم وأموالهم بالسلب والتنجيس والإفساد، وقد مكن أعداءهم من الإنس ذلك؛ ليمكنهم الدفع عن ذلك والحذر عنه بما وقع الوقوف لبعض على حيل بعض والصرف عن ذلك، وما هذا إلا كدرك الحواس بأفعالها وأسبابها بالحس، وكذلك أمر الملائكة، لكن من لا يحتمل عقله معرفة الصانع والتوحيد مع شهادة العقل وكل شيء فجهله بالشيطان غير مستبعد ولا مستنكر، والله أعلم. قال - رضي الله عنه -: ثم اختلف في وجه تمكن الشيطان من الإنس فيما يوسوس إليه: قد روي في بعض الأخبار أنه يجري فيه مجرى الدم، فأنكر ذلك قوم، وليس ذلك مما ينكر بعد العلم باحتمال جري الدم فيه وجري قوة الطعام والشراب وما به حياة الأبدان والحواس مما لطف مجراه في جميع العروق والأعصاب وكل شيء؛ بلطافة ذلك؛ [فعلى ذلك] الشيطان. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | وعلى ما روي في أمر الملك مما يكتب ما لا يعلم موضع قعوده ولا يسمع صريف قلمه ولا ما يكتبه علينا من ذلك، فعلى ذلك أمر الذي ذكرت. ثم قد ثبت القول بأمر الله تعالى نبيه أن يتعوذ به عن همزه ونزغه وحضوره بقوله تعالى:**{ وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ... }** الآية [الأعراف: 200]، وقوله تعالى:**{ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ... }** [المؤمنون: 97] وقال:**{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ }** [الأعراف: 201]، وقال:**{ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ... }** الآية [البقرة: 275]، فثبت أن أمره على ما بيناه. ثم القول في أي موضع لوقت ما له من الوحي والمس والنزغ أمر لا يحتاج إليه بحق؛ لأن الله تعالى [و] عز وجل أخبرنا أنا لا نراه بقوله:**{ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ }** [الأعراف: 27] ولكن الذي رجعت المحنة إلى أفعاله التي يقع لها آثار في الصدور، وقد مُكِنَّا بحمد الله تعالى ومَنَّهِ لندرك منه، وإنما علينا التيقظ لما يقع في الصدور من أفعاله ووساوسه لندفع بما مكننا الله تعالى [و] عز وجل من الأسباب، وعرفنا من الحجج نقض الباطل والتمسك بالحق، كقوله تعالى:**{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ }** [الأعراف: 201] وتوجهوا إلى الله تعالى بالتعوذ في طلب اللطف الذي جعله الله تعالى للدفاع، كقول يوسف - عليه الصلاة والسلام -:**{ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ... }** الآية [يوسف: 33]، على العلم فيه بطوائف الأشياء من المجعول لدفع كيدهن، وكذلك قول الراسخين في العلم:**{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً... }** الآية [آل عمران: 8]. لكن من الناس من يقول: هو يعلم النفس فيما تهوى فيزين لها ذلك، والعقل فيما يدعو من ذلك فيمنعه عن ذلك. ومنهم من يقول: لا، لكن في ذلك آثار من الظلمة والنور والطيِّب والخبيث، فيعرف بالآثار وفيها موقع وسواسه حتى يصل إلى الفعل، وقد يكون عمل الهوى والعقل جميعاً في الجسد وخارجاً منه، وبخاصة آثار الأعمال. ومنهم من يقول: ليس له بشيء من ذلك علم، لكن بكل ما يرجو العمل من التغرير أو في التمويه والتلبيس كالأعمى فيما يمس ويطلب المضار من المنافع ونحو ذلك، لكن ذلك كله طريق عمل الشيطان وطريق إمكانه وحِيَله، وذلك أمر لم نؤمر بمعرفته، وإنما علينا مجاهدته في منع ذلك بالتيقظ أو بدفعه بما نتذكر، هكذا ذكرت في الآيات، أو بالفزع إلى الله سبحانه وتعالى في دفعه ومنعه إن حضر بما عنده من اللطائف التي لديها يقع الأمن عن الزيغ والظفر بالرشد. وتأول كثير منهم أن يوسوس في صدور الجن كما يوسوس في صدور الناس، وذلك ممكن؛ لما قد يكون من كل جنس ضُلاَّلٌ وغُواة وأخيار وأبرار، فأما حق تأويل السورة على ما وصفنا في ذكر وسواس الجن والإنس. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | ثم القول في المعوِّذتين أنهما من القرآن أو ليستا من القرآن، قال الفقيه - رحمه الله -: لنا من أمرهما أنهما انتهتا بما انتهت إلى أهل هذا العصر معرفة القرآن في الجمع بين اللوحين بتوارث الأمة، ولسنا نحن ممن يعرف بالمحنة والسير بما به نعلم أنهما معجزتان أو لا، وإنما حق ذلك الأخذ عن أهل ذلك والشهادة [له] بعد الثبات أنه من القرآن وأنه معجز، حقُّ أمثالنا فيه الاتباع، وقد اتضح بما به جرى التعارف في جميع الشرائع التي بها يشهد أنها عن الله تعالى وأنها حق، فعلى ذلك هذا. لكن ذكر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه لم يكتبها في مصحفه، وذلك عندنا يخرج على وجهين: أحدهما: أنه لم يكن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيهما شيئاً أنهما من القرآن أم لا، ولم يكن أيضاً رأى على نفسه السؤال عن ذلك حقّاً واجباً؛ لأن القرآن وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يلزم علم الشهادة والعمل به واحدٌ؛ إذ المقصود من كل ذلك القيام بالمقصود من حق الكلفة لا التسمية، ولم يكن النجباء يمتحنون أنفسهم بالسير في الوجوه التي بها يعرفون المعجز من غير ذلك أنه قرآن أو غيره، وإنما ذلك من عمل المرتابين الشاكين في خبر الرسول صلى الله عليه وسلم ليعرفوا أنه مبعوث مرسل، فأما من تقرَّر عنده واطمأن به قلبه وزال عنه الحرج فيما آتاهم فقد كُفُوا ذلك، وكذلك يجوز ترك البحث عن ذلك لما ذكرت، لا أن عنده أنهما ليستا من القرآن، وفي خبر عقبة الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: **" نزل اليوم آيات لم ير مثلهن قط " قيل: ما هن يا رسول الله؟ فقال: " المعوذتان "** ، دل أنهما من القرآن. وأيد أيضاً ما ذكرت في ترك الكتابة ما روي عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: " فقولوا " ، فنحن نقول بقولٍ لم يشهد في تلك بأنهما منه ولا ليستا منه بما لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بهما، فعلى ذلك أمر عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه. ويؤيد ذلك أيضاً أمر استعاذة القرآن أنها مقدمة على القراءة، وحق هاتين السورتين لو كانتا منه بيقين أن تكونا في افتتاح المصحف كالاستعاذة للقرآن، فهذا أيضاً بعض الذي يمنع [العلم] بحقيقة ذلك عنه، وقد بينا جواز وجه الإشكال مع ما كان الإنزال لحاجة العباد، وعلى ذلك جرى العمل بهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره، فهو أمر لا يضر الجهل [بالوجه] الذي ذكرت. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: لو علمت أن أحداً أعلم بالقرآن مني وحملتني مطيتي لأتيته. وقد روي عمن ذكر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض على جبريل - عليه السلام - كل عام مرة إلا في العام الذي قبض عرض عليه مرتين، وقد شهدهما جميعاً عبد الله، فعلَّه لم يعرض ما شاء الله، وإذا كان كذلك لم يكن هو ممن يسأل في هذا الباب غيره ليثبت عنده السماع بأنهما أثبتتا في المصحف؛ فبقي قوله بحيث لا نعرف حقيقته، ووجه آخر أن يكون رآهما منه لكن لم يكتب؛ لوجهين: أحدهما: لما لم يكن موضع الكتاب والتدبير، على ما ذكرنا أن يكون في أول المصاحف، فكره أن يكتب بتدبيره، ويتخير له موضعاً للكتابة؛ فلم يكتب كذلك. والثاني: أنه يكتب ليحفظ ولا ينسى، وقد أمن عليهما النسيان؛ لأنهما بحيث يجب تلاوتهما في أوائل النهار ومبادئ الليل، وعند النوازل ينفع التعوذ بهما من كل شر وكيد، على نحو الاستعاذة وأنواع الدعوات المدعوة، فلما أمن خفاءهما لم يكتب، وعلى ذلك ترك كتابة فاتحة الكتاب، والله أعلم بالصواب. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ)
{ قُلْ } يا أكمل الرسل بعدما مكنك الحق في مقعد التوحيد، وهداك الوصول إلى ينبوع بحر الحقيقة التي هي الوحدة الذاتية ملتجئاً إلى الله، مستمسكاً بعروة عصمته: { أَعُوذُ } وألوذ { بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } [الناس: 1] الذي أظهرهم من كتم العدم ورباهم بأنواع اللطف والكرم، لكونه: { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 2]. { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 3] إذ ظهور الكل منه ورجوعه إليه. { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } الموسوس، المثير للفتن في قلوب الناس { ٱلْخَنَّاسِ } [الناس: 4] الدفَّاع، والرجَّاع للناس، فإنه منبسط على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله تعالى خنس وانقبض وإذا غفل انبسط على قلبه، فالتطارد بين ذكر الله تعالى ووسوسة الشيطان كالتطارد بين النور والظلام إذا جاء أحدهما طرد الآخر، مثله كمثل الواهمة تساعد في المقدمات، فإذا آل الأمر إلى النتيجة رجع وارتدع، مثلاً إذا قيل: الميت جماد والجماد لا يخاف منه أقرت، وإذا قيل: فالميت لا يخاف منه فرت**{ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ \* فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ }** [المدثر: 50-51]. { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 5] إذا غفلوا عن ذكر ربهم، وجعلوا إنجاح قضية أهوائهم من همهم. { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [الناس: 6] بيان للوسواس، أو الذي، أو متعلق بيوسوس؛ أي: يوسوس في صدورهم من جهة الجِنَّة والناس بأن يلقي إليهم أنهما يضران وينفعان بالتأثير والاستقلال، فيرجوان منهما المطالب والآمال، فيقعون في تيه الحسرة وهاوية الضلال. أعاذنا الله وعموم عباده من شر كلا الفريقين بفضله وجوده. خاتمة السورة إياك إياك أيها الطالب للخلاص، الراغب في الإخلاص أن تتبع الهوى تنكب على الشهوات، فإن الإنسان إن اتبع الهوى وطاعة قضية القوى صار القلب عش الشيطان ومعدنه؛ لأن الهوى هو مرماه ومرتعه، وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه، صار القلب مستقر الملائكة ومهبطه. ومهما غلب على القلب ذكر الدنيا ومقتضيات الهوى، وجد الشيطان مجالاً واسعاً، فيوسوس بالشر وما يجري إلى سوء المعاقبة، ويطرحه في الهاوية، ومتى أعرض عن الشهوات وجاهدها إلى حيث ينبغي، وأقبل على الطاعات كما ينبغي، يلهمه الملك بالخيرات، ويعينه في أسباب النجاة، ويرشده إلى الفوز بالجنات، فإن الخواطر مبدأ الأفعال؛ إذ الخواطر تحرك الرغبة، والرغبة تحرك العزم والنية، والنية تحرك الأعضاء وترسخ العقائد، فإن كانت من الخواطر المحمودة الإلهامية يفضي إلى الصلاح والنعمة، وإن كانت من الوساوس الشيطانية يسري إلى الفساد والنقمة. أعاذنا الله تعالى من مهادنة النفس ومساعدة الهوى، وأعاننا على مجاهدة الشهوات ومعاندة فرط القوى بحرمة سيد السادات، وصفوة الكائنات، صلوات الله التامات وتسليماتهم الزاكيات عليه وعلى آله وأزواجه الطاهرات وذرياته السادات، وخلفائه الراشدين، وأصحابه أجمعين. | **عجل بالنصر وبالفرج** | | **يا رب بهم وبآلهم** | | --- | --- | --- | والحمد لله أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً. والحمد لله رب العالمين. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ)
قوله: { قُلْ أَعُوذُ } أي أتحصن، والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم ويتناول غيره من أمته، لأن أوامر القرآن ونواهيه لا تخص فرداً دون فرد. قوله: { ٱلنَّاسِ } أصله إما أناس حذفت الهمزة، أو نوس مأخوذ إما من ناس إذ تحرك خص بالبشر، لأنه المتحرك الحركة المعتد بها الناشئة عن رؤية وتدبر، تحركت الواو وانفتح ما قبلها، قلبت ألفاً أو من الإنس ضد الوحشة لأنه يؤنس به؛ أو من النسيان لكونه شأن وطبعه. قوله: (خالقهم) أي موجدهم من العدم. قوله: (خصوا بالذكر) أي وإن كان رب جميع الخلائق. قوله: (تشريفاً لهم) أي من حيث إنه تعالى أخذ لهم ملائكة قدسه، وجعل لهم ما في الأرض جميعاً، وأمدهم بالعقل والعلم وكلفهم بخدمته، فإن قاموا بتلك الوظيفة، كان لهم العز دنيا وأخرى، وإن لم يقوموا بها، ردوا لأسفل السافلين، فلم يساووا كلباً ولا خنزيراً، وإذا علمت بذلك أنه رب الناس، فهو رب الناس، فهو رب غيرهم بالأولى. قوله: (ومناسبته للاستعاذة) الخ، أي فكأنه قال: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم المالك لهم. قوله: { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } بإسقاط الألف هنا باتفاق القراء، بخلاف الفاتحة ففيها قراءتان سبعيتان ثبوت الألف وحذفها، ومعنى الملك: المتصرف فيهم بأنواع التصرفات، من إعزاز وإذلال وإغناء وإفقار وغير ذلك. قوله: { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } هذا الترتيب بديع، وذلك أن الإنسان أولاً يعرف أن له رباً لما شاهده من أنواع التربية، ثم إذا تأمل، عرف أن هذا الرب متصرف في خلقه، غني عن غيره فهو الملك، ثم إذا زاد تأمله، عرف أنه يستحق أن يعبد، لأنه لا يعبد إلا الغني عن كل ما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه. قوله: (زيادة للبيان) حاصله أنه ورد إشكال وهو: لم كرر لفظ الناس ثانياً وثالثاً، ولم يكتف بضميرهم، مع أن اتحاد اللفظين في اللفظ، والمعنى معيب كالإبطاء في الشعر. فأجاب المفسر بقوله: (زيادة للبيان) وهو جواب خفي، وأحسن منه أن يقال: إن التكرار لإظهار شرف الناس وتعظيمهم والاعتناء بشأنهم، كما أنه حسن التكرار للتلذذ، وإظهار فضل المكرر في قول بعضهم: | **محمد ساد الناس كهلاً ويافعاً** | | **وساد على الأملاك أيضا محمد** | | --- | --- | --- | | **محمد كل الحسن من بعض حسنه** | | **وما حسن كل الحسن إلا محمد** | | **محمد ما أحل شمائله وما** | | **ألذ حديثاً راح فيه محمد** | وهذا تسليم أن المراد بالناس في الجميع شيء واحد، وأما إن أريد بالناس. الأول: الصغار وأضيفوا للرب؛ لاحتياجهم إلى التربية أكثر من غيرهم. وبالثاني: الشباب وأضيفوا للملك، لأن شأنهم الطغيان والطيش، فهم محتاجون لملك يسوسهم ويكسر هيجان شبوبيتهم. وبالثالث: الشيوخ أضيفوا للإله، لأن شأنهم كثرة العبادة، لقرب ارتحالهم وقدومهم على ربهم وفناء شهواتهم، فهم أقرب من غيرهم للتعلق بالإله، فلا اتحاد في المعنى. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- | قوله: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } متعلق بـ { أَعُوذُ } إن قلت: ما الحكمة في وصف الله تعالى في هذه السورة نفسه بثلاثة أوصاف، وجعل المستعاذ منه شيئاً واحداً، وفي السورة قبلها بعكس ذلك، لأن وصف نفسه بوصف واحد؛ وجعل المستعاذ منه أربعة أشياء. أجيب: بأنه في السورة المتقدمة المستعاذ منه أمور تضر في ظاهر البدن، وهنا وإن كان أمراً واحداً، إلا أنه يضر الروح، وما كان يضر الروح يهتم بالاستعاذة منه. إن قلت: كان مقتضى الظاهر تقديم ما به الاهتمام، وهو الاستعاذة من شر الوسواس، إذ سلامة الروح مقدمة على البدن. أجيب: بأن سلامة البدن وسيلة للمقصود بالذات؛ وهو سلامة الروح. قوله: (سمي بالحدث) أي المصدر، وقوله: (لكثرة ملابسته له) أي ملازمته للوسوسة، فهو على حد: زيد عدل، وما ذكره المفسر بمتعين، فإن الوسواس بالفتح، كما يستعمل اسم مصدر بمعنى الحدث، يطلق على نفس الشيطان الموسوس، ويطلق أيضاً على ما يخطر بالقلب من الشر. واعلم أن خواطر القلب أربعة: رحماني وملكي ونفسي، وشيطاني، فالرحماني ما يلزم طاعة بعينها، والملكي ما يلزم طاعة لا بعينها، والنفسي ما يلزم معصية بعينها، والشيطاني ما يلزم معصية لا بعينها فتمسك بهذا الميزان. قوله: (لأنه يخنس) من باب جخل، أي يتوارى ويختفي بعد ظهوره المرة بعد المرة. قوله: (كلما ذكر الله) أي فالذكر له كالقامع الذي يقمع المفسد، فهو شديد النفور منه، ولهذا كان شيطان المؤمن هزيلاً، وعن بعض السلف: أن المؤمن يفني شيطانه، كما يفني الرجل بعيره في السفر. قال قتادة: { ٱلْخَنَّاسِ } له خرطوم كخرطوم الكلب، وقيل: كخرطوم الخنزير في صدر الإنسان، فإذا ذكر العبد ربه خنس، ويقال: رأسه كرأس الحية، واضع رأسه على ثمرة القلب يمسه ويحدثه، فإذا ذكر الله خنس وتأخر، وإذا غفل رجع، وهل المراد الحقيقة. أو خرطوم الكلب والخنزير كناية عن قبحه وخبثه ونجاسته، ورأس الحية كناية عن شدة الأذية، ووضعه على الفؤاد كناية عن شدة التمكن؟ كل محتمل. قوله: (إذا غفلوا عن ذكر الله) أي بقلوبهم ولو كانوا ذاكرين بألسنتهم، وذلك لأن الوسوسة حالة في القلب، فلا يطردها إلا الذكر في الحال في القطر، فمن كان من أهل الذكر، فلا تسلط للشيطان عليه، قال تعالى:**{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ }** [الحجر: 42]، ولا يترك الإنسان الذكر اللساني إذا وجد الغفلة والوسواس في قلبه، بل يكثر الذكر ويديمه، فلعله يستيقظ قلبه ويتنور، قال العارفون: الذكر اللساني كقدح الزناد، فإذا تكرر أصاب، قال بعضهم في ذلك: | **اطلب ولا تضجرن من مطلب** | | **فآفة الطالب أن يضجرا** | | --- | --- | --- | | **أما ترى الحبل لتكراره** | | **في الصخرة الصماء قد أثرا** | قوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ } اسم جنس جمعي، يفرق بينه وبين واحده بالياء، فيقال: جن وجني، كزنج وزنجي، وغالباً يفرق بالتاء كتمر وتمرة، وزيدت التاء في الجنة لتأنيث الجماعة، سموا بذلك لاجتنانهم أي استتارهم عن العيون، وهم أجسام نارية هوائية، يتشكلون بالصور الشريفة والخسيسة، وتحكم عليهم الصورة وتقدم ما فيهم. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- | قوله: (بيان للشيطان الموسوس) أي المذكور بقوله: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } فـ { مِن } بيانية مشوبة بتبعيض، أي بعض الجنة وبعض الناس. قوله: (كقوله تعالى) الخ، أي ويشهد له حديث: **" تعوذوا بالله من الشياطين الجن والإنس ".** قوله: (والناس) عطف على الوسواس، أي ولفظ { شَرِّ } مسلط عليه كأنه قال: من شر الوسواس الذي يوسوس وهو الجنة، ومن شر الناس، وعليه فالناس لا يصدر منهم وسوسة. قوله: (وعلى كل) أي من الاحتمالين، وقوله: (يشمل) أي الشر المستعاذ منه شر لبيد الخ. قوله: (المذكورين) أي في السورة السابقة، وفيه تغليب المذكر وهو لبيد، على المؤنث وهو بناته. قوله: (واعترض الأول) أي وهو أنه بيان للشيطان الموسوس. قوله:(لا يوسوس في صدورهم الناس) كذا في بعض النسخ، والمناسب كما في بعضها لا يوسوسون في صدور الناس. قوله: (بمعنى يليق بهم) أي كالنميمة ويخنسون إذا زجروا. قوله: (المؤدي) أي الموصل إلى ثبوتها في القلب. قوله: (والله أعلم) أشار بذلك إلى تمام القرآن، وفي ختم القرآن بهذه السورة إشارة حسنة كأنه قيل: ما أنزلناه كاف، ما فرطنا في الكتاب من شيء، فلا تطلب بعده شيئاً، بل اقتصر على العمل به، واستعذ بالله من الشيطان والحاسد، لأن العبد إذا تمت نعمة الله عليه، كثرت حساده إنساً وجناً، قيل: عده حروف هذه السورة غير المكرر ثلاث وعشرون حرفاً، وكذا عدد الفاتحة بعدد السنين التي أنزل فيها القرآن، وهو سر بديع، وأول القرآن باء البسملة، وآخره سين والناس، كأنه قال: بس أي تم وكمل، ثم اعلم أن الجلال المحلي رضي الله عنه، بعد أن ختم هذا النصف الأخير، وابتداؤه من سورة الكهف، شرع في تفسير النصف الأول، وأوله سورة الفاتحة، فقال في شروعه: فيه سورة الفاتحة الخ، ولم يفتتحه بخطبة على عادة المؤلفين، مشتملة على حمد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، قصداً للاختصار، وروماً للاقتصار على محط الفائدة. ثم إنه لما فرغ من تفسير سورة الفاتحة، توفي إلى رحمة الله تعالى، فقيض الله تعالى تلميذه الجلال السيوطي لتتميم تفسيره، فابتدأ بأول سورة البقرة، وختم بالإسراء، كما ذكر في خطبته، فسار تفسيره الفاتحة في نسخ الجلال، مضموماً لتفسير آخر القرآن لا أوله، ليكون تفسير المحلي مضموماً بعضه لبعض، رضي الله عن الجميع ونفعنا بهم. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ)
أيها الهارب من شر أنانية نفسك الطالب أنانية حقك، { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } [الناس: 1] في عالم القلب؛ ليحفظك بربوبيته من ذنوب القوى القالبية، { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 2] في عالم النفس يسلطك على جنود القوى النفسانية بسلطنة مكية، { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 3] في عروجك عن سماء صدرك ليخلصك عن آلهة هواك [و] ألوهته { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } [الناس: 4] الذي بواسطة هذه القوى [يلقي] { ٱلْخَنَّاسِ \* ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 4-5] على إلقاء الخواطر في صدورهم { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } [الناس: 6]؛ أي: من القوى الخبيثة القالبية والنفسية. واعلم أن الاستعاذة واجبة على جميع اللطائف في عروجهم على سماوات أطوار الغيوب خاصة اللطيفة القالبية والنفسية عند عروجها على سماء الصدر؛ لأن الشياطين يعرجون إلى أن يصلوا إلى سماء الصدر ليسترقوا السمع، أو يشق شق السالك المجذوب المقبول المردود إلى عالم القالب داعياً أمته إلى الحق، أو يوسوس اللطيفة القالبية عند عروجها على سماء الصدور ودخولها عالم القلب؛ لئلا يتمتع بالعروج وسيولها بالأمنية الشهوية، ويعبدها محبة الهوى الردية، فإذا استعاذت اللطيفة بالرب صارت الاستعاذة كالشهاب الثاقب، ويحرق أجنحة الخواطر الشيطانية الصادة لها عن الردود إلى حضرة القابلية، ولا يمكن الشيطان أن يتجاوز عن سماء الصدر ببركة قوة النبوة المحمدية. فيا أيها المحمدي، اجتهد في طلب اللطيفة الخفية المنسوبة إلى محمد المخصوصة بأحمد لتصل إليها في أفق المقام المحمود، وتتنعم فيها بمشاهدة المعبود، ولا يمكن لك طلب اللطيفة الخفية ما دام معك من دنياك شيء، أما سمعت أن عيسى عليه السلام كان نائماً متكئاً على لبنة، فجاء الشيطان اللعين ووقف على رأسه، فلما أحس عيسى عليه السلام بمجيء اللعين هب من منامه وقال: ما جاء بك أيها اللعين إليَّ، فقال: أخذت قماشتي فجئت أطلب القماش، فقال عيسى عليه السلام: وما قماشك؟ قال: هذه اللبنة التي وضعتها تحت رأسك، فأخذ روح الله اللبنة ورمى بها وجهه، فإذا كان حاله عليه السلام كذلك فما ظن أحد غيره بحاله مع وجود اشتغاله بماله ومناله وأهله وعياله، إن الشيطان يدعه أن يخرج على سماء الصدر أو يشتغل بالسلوك فلا يغرنك الغرور، ومعك من قماشه شيء يسير وهو الدنيا بأنك تسلك الطريق وتصل إلى عالم الحقيقة، ولو تجردت عن الدنيا بأسرها في مقام التجريد يمكن لك بعد ذلك السلوك، ولكن لا يمكن لك الوصول لطيفتك الخفية ما دام في باطنك شيء من المعاني الباطلة والقالبية والنفسية والقلبية والسرية والروحية والخفية فإذا أفردت نفسك في مقام التفريد يمكن لك بعد ذلك السلوك ولكن لا يمكن لك الوصول إلى لطيفتك الخفية ولكن لا يمكن لك مشاهدة الحق الأعظم ومعك الحقوق الحاصلة من تصفية اللطائف عن الأباطيل حتى صارت حقوقاً صرفة، فلما وجدت في مقام التوحيد عن الحقوق فيمكن لك مشاهدة الحق الأعظم ولكن لا يمكن لك الاطلاع على أسرار الذات الواحد كما هو حقها ما دام معك رؤية التوحيد فإذا جردت عن رؤية التوحيد ووجدت في مقام الوحدة متمكناً في مقام العبودية فيطلعك الله الملك المبين على أسرار ذاته المقدسة وصفاته المسبَّحة وأفعاله المنزهة وآثاره المتقنة المحكمة، ويجعلك محرماً لأسراره وخازنا لأنواره ومظهراً لآثاره. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | اللهم لا تكلني إلي طرفة عين ولا أقل من ذلك يا رب وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وتابعيهم وتابعي تابعيهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين والحمد الله رب العالمين. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ)
وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادَّتها، الذي من فتنته وشرّه، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن [لهم] الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائماً بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه. فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم. وأن الخلق كلهم داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها. وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }. والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير تفسير النسائي/ النسائي (ت 303 هـ)
[سورتي المعوذتين] 29/ 764- عن قتيبة بن سعيد، عن سفيان بن عُيينة، عن عبدة ين أبي لُبابة، وعاصم بن أبي النَّجود [كلاهما]، عن زرِّ بن حُبيش، قال: **" سألت أُبيَّ بن كعب [قلت: أبا المُنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا]؟ فقال أُبيٌّ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: " قيل لي، فقلت " قال: فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ".** 30/ 765- أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا المُفضل، عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، **" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشه كل ليلة جمع كفَّيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات ".** 31/ 766- أخبرنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوِّذات، وينفُث فلما اشتد وجَعُه كنت أقرأ عليه وأمسح عليه بيده رجاء بركتها ".** | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ
* تفسير تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور /همام الصنعاني (ت 211 هـ)
3753- عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }: [الآية: 6]، قَال: إنَّ مِنَ الناسِ شياطين ومن الجن شياطين، فنعوذُ بالله من شياطين الإنس والجن. 3754- حدثنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن (حكيم بن جبير)، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما مِنْ مولود إلاَّ وعلى قلبه وسْواسٌ، فإذا ذكر الله خنس، وإذَا غفل وسوس، وهو الوسواس الخنّاس. 3755- عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: يقال الخناسُ له خُرْطُومُ، كخرطُومِ الكلب، يوسْوِسُ في صدور الناس، فإذا ذكر العبد ربه خنس. 3756- حدثنا عبد الرزاق، عن الثَّوْري، عن زر بن حبيش قال: سألت أُبي بن كَعْب عن المعوذتين، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فقال لي: فقلت: فقال أبي: فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن نقول. 3757- عبد الرزاق، عن معمر، عن عاصم، عن زر بن حبيش، قال سألت أُبي بن كَعْب عن المعوذتين:**{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }** [الفلق: 1] و**{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }** [الناس: 1]، [....] فقال لنا، فقلنا لكم. 3758- عبد الرزاق، عن الثوري، عن سعيد [...] من جهينة، عن عقبة بن عامر [....] رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال [....] قلت: لأقولن، فقال**{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }** [الإخلاص: 1] ثم قال:**{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }** [الفلق: 1]، ثم نعوذ بهنّ فيه، ثم نعوذ بمثلهنّ. 3759- حدثنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن (عقبة بن عامر الجهني)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" أُنزل عليَّ آيات لم يُسْمع مثلهنّ ولم يُرَ مثلهُنَّ ".** | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ)
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } أي: ألجأ إليه وأستعين به، و (رب الناس) الذي يربيهم بقدرته ومشيئته وتدبيره. وهو رب العالمين كلهم والخالق للجميع { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } أي: الذي ينفذ فيهم أمره وحكمه وقضاؤه ومشيئته دون غيره { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } أي: معبودهم الحق وملاذهم إذا ضاق بهم الأمر، دون كل شيء سواه. والإله المعبود الذي هو المقصود بالإرادات والأعمال كلها { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } أي: الشيطان ذي الوسوسة. وقد زعم الزمخشري ومن تبعه؛ أن الوسواس مصدر أريد به الموسوس أو بتقدير (ذي). وحقق غير واحد أنه صفة كالثرثار، وأن فِعلالا (مصدر فعلل) بالكسر والمفتوح شاذ، وقد بسط الكلام في ذلك الإمام ابن القيّم في (بدائع الفوائد) { ٱلْخَنَّاسِ } أي: الذي عادته أن يخنس - أي يتأخر - إذا ذكر الإنسان ربه، لأنه لا يوسوس إلا مع الغفلة. وكلما تنبه العبد فذكر الله، خنس { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } أي: بالإلقاء الخفيّ في النفس. إما بصوت خفيّ لا يسمعه إلا من ألقي إليه، وإما بغير صوت. قال ابن تيمية: و (الوسوسة) من جنس (الوشوشة) بالشين المعجمة. يقال (فلان يوسوس فلانا) و (قد وشوشه) إذا حدثه سراً في أذنه. وكذلك الوسوسة. ومنه وسوسة الحليّ. لكن هو بالسين المهملة، أخص. وقال الإمام: إنما جعل الوسوسة في الصدور، على ما عهد في كلام العرب من أن الخواطر في القلب، والقلب مما حواه الصدر عندهم، وكثيراً ما يقال: (إن الشك يحوك في صدره) وما الشك إلا في نفسه وعقله. وأفاعيل العقل في المخ، وإن كان يظهر لها أثر في حركات الدم وضربات القلب وضيق الصدر أو انبساطه. وقوله تعالى: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان للذي يوسوس، على أنه ضربان: ضرب من الجِنّة وهم الخلق المستترون الذين لا نعرفهم، وإنما نجد في أنفسنا أثراً ينسب إليهم. وضرب من الإنس كالمضللين من أفراد الإنسان، كما قال تعالى:**{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً }** [الأنعام: 112]. وإيحاؤهم هو وسوستهم. قال ابن تيمية: فإن قيل: فإن كان أصل الشر كله من الوسواس الخناس، فلا حاجة إلى ذكر الاستعاذة من وسواس الناس، فإنه تابع لوسواس الجن. قيل: بل الوسوسة نوعان: نوع من الجن، ونوع من نفوس الإنس. كما قال:**{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ }** [ق: 16] فالشر من الجهتين جميعاً. والإنس لهم شياطين كما للجن شياطين. وقال أيضاً: الذي يوسوس في صدور الناس نفسه لنفسه، وشياطين الجن وشياطين الإنس. فليس من شرط الموسوس أن يكون مستتراً عن البصر، بل قد يُشَاهَد. لطائف الأولى: قال ابن تيمية: إنما خص الناس بالذكر، لأنهم المستعيذون. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | فيستعيذون بربهم الذي يصونهم، وبملكهم الذي أمرهم ونهاهم وبإلهِهِم الذي يعبدونه من شر الذي يحول بينهم وبين عبادته. ويستعيذون أيضاً من شر الوسواس الذي يحصل في نفوس منهم ومن الجِنّة. فإنه أصل الشر الذي يصدر منهم والذي يرد عليهم. وقال الناصر: في التخصيص جرى على عادة الاستعطاف، فإنه معه أتمّ. الثانية: تكرر المضاف إليه وهو { ٱلنَّاسِ } باللفظ الظاهر، لمزيد الكشف والتقرير والتشريف بالإضافة. فإن الإظهار أنسب بالإيضاح المسوق له عطف البيان. وأدل على شرف الإنسان. وقيل: لا تكرار. لجواز أن يراد بالعام بعض أفراده. فـ: { ٱلنَّاسِ } الأُوَل: بمعنى الأجنة والأطفال المحتاجين للتربية. والثاني: الكهول والشبان، لأنهم المحتاجون لمن يسوسهم. والثالث: الشيوخ لأنهم المتعبدون المتوجهون لله. قال الشهاب: وفيه تأمّل. الثالثة: في تعداد الصفات العليا هنا، إشارة إلى عظم المستعاذ منه. وأن الآفة النفسانية أعظم من المضار البدنية، حيث لم يكرر ذلك المستعاذ به في السورة قبل، وكرره هنا إظهاراً للاهتمام في هذه دون تلك. نقله الشهاب. الرابعة: قال ابن تيمية: الوسواس من جنس الحديث والكلام. ولهذا قال المفسرون في قوله:**{ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ }** [ق: 16] قالوا: ما تحدَّث به نفسه. وقد قال صلى الله عليه وسلم: **" إن الله تجاوز لأمتي ما تحدَّث به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به "** وهو نوعان: خبر وإنشاء. فالخبر إما عن ماض وإما عن مستقبل. فالماضي يذكره والمستقبل يحدثه، بأن يفعل هو أموراً، أو أن أموراً ستكون بقدر الله أو فعل غيره. فهذه الأمانيّ والمواعيد الكاذبة. والإنشاء أمر ونهي وإباحة. الخامسة: قال ابن تيمية: الفرق بين الإلهام المحمود وبين الوسوسة المذمومة هو الكتاب والسنة. فإن كان مما ألقى في النفس مما دل الكتاب والسنة على أنه تقوى لله، فهو من الإلهام المحمود. وإن كان مما دلّ على أنه فجور، فهو من الوسواس المذموم. وهذا الفرق مطرد لا ينقض. وقد ذكر أبو حازم في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان، فقال: ما كرهته نفسك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه. وما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه. السادسة: قال الإمام الغزاليّ في (الإحياء) في بيان تفصيل ما ينبغي أن يحضر في القلب عند كل ركن وشرط من أعمال الصلاة، ما مثاله: وإذا قلت: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فاعلم أنه عدوك ومترصد لصرف قلبك عن الله عز وجل، حسداً لك على مناجاتك مع الله عز وجل، وسجودك له. مع أنه لعن بسبب سجدة واحدة تركها ولم يوفق لها. وإن استعاذتك بالله سبحانه منه، بترك ما يحبه، وتبديله بما يحب الله عز وجل، لا بمجرد قولك. فإن من قصده سبع أو عدو ليفترسه أو ليقتله فقال: (أعوذ منك بهذا الحصن الحصين) وهو ثابت على مكانه ذلك لا ينفعه، بل لا يفيده إلا بتبديل المكان. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | فكذلك من يتبع الشهوات التي هي محاب الشيطان ومكاره الرحمن، فلا يغنيه مجرد القول، فليقترن قوله بالعزم على التعوذ بحصن الله عز وجل عن شر الشيطان. وحصنُه (لا إله إلا الله) إذ قال عز وجل فيما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم. **" لا إله إلا الله حصني. فمن دخل حصني أمِنَ من عذابي "** والمتحصن منه من لا معبود له سوى الله سبحانه. فأما من اتخذ إلهه هواه، فهو في ميدان الشيطان لا في حصن الله عز وجل. انتهى. وملخصه: أن التعوّذ ليس هو مجرد القول، بل القول عبارة عما كان للمتعوذ من ابتعاده بالفعل عما يتعوذ منه، فكان ترجمة لحالهم. وهذا المعنى كان يلوح لي من قبل أن أراه في كلام حجة الإسلام، حتى رأيته، فحمدت الله على الموافقة. السابعة: قال الإمام الغزاليّ في (الإحياء) أيضاً، في بيان تسلط الشيطان على القلب بالوسواس: ومعنى الوسوسة وسبب غلبتها، ما مثاله: اعلم أن القلب في مثال قبة مضروبة لها أبواب تنصبّ إليه الأحوال من كل باب. ومثاله أيضا مثال هدف تنصبّ إليه السهام من الجوانب. أو هو مثال مرآة منصوبة تجتاز عليها أصناف السور المختلفة، فتتراءى فيها صورة ولا يخلو منها. أو مثال حوض تنصبّ فيه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة إليه. وإنما مدخل هذه الآثار المتجددة في القلب في كل حال، إما من الظاهر فالحواس الخمس. وإما من الباطن فالخيال والشهوة والغضب والأخلاق المركبة من مزاج الإنسان. فإنه إذا أدرك بالحواس شيئاً حصل منه أثر في القلب. وكذلك إذا هاجت الشهوة مثلا بسبب كثرة الأكل وسبب قوة المزاج، حصل منها في القلب أثر. وإن كف عن الإحساس، فالخيالات الحاصلة في النفس تبقى وينتقل الخيال من شيء إلى شيء. وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال آخر. والمقصود أن القلب في التغير والتأثر دائماً من هذه الأسباب، وأخص الآثار الحاصلة في الخواطر - وأعني الخواطر: ما يحصل فيه من الأفكار والأذكار - وأعني به إدراكاته علوماً، إما على سبيل التجدد وإما على سبيل التذكر. فإنها تسمى خواطر من حيث إنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها. والخواطر: هي المحركات للإرادات. فإن النية والعزم والإرادة إنما تكون بعد خطور المنويّ بالبال لا محالة. فمبدأ الأفعال الخواطر. ثم الخاطر يحرك الرغبة، والرغبة تحرك العزم، والعزم يحرك النية، والنية تحرك الأعضاء. والخواطر المحركة للرغبة تنقسم إلى ما يدعو للشر، أعني: إلى ما يضر في العاقبة. وإلى ما يدعو إلى الخير، أعني إلى ما ينفع في الدار الآخرة. فهما خاطران مختلفان. فافتقرا إلى اسمين مختلفين. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | فالخاطر المحمود يسمى: إلهاماً والخاطر المذموم، أعني الداعي إلى الشر يسمى: وسواساً. ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة. ثم إن كل حادث فلا بد له من محدث. ومهما اختلفت الحوادث دل ذلك على اختلاف الأسباب. هذا ما عرف من سنة الله تعالى في ترتيب المسببات على الأسباب. فمهما استنارت حيطان البيت بنور النار، وأظلم سقفه واسودّ بالدخان، علمت أن سبب السواد غير سبب الاستنارة. وكذلك لأنوار القلب وظلمته سببان مختلفان. فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى: ملَكاً. وسبب الخاطر الداعي إلى الشر يسمى: شيطاناً. واللطف الذي يتهيأ به القلب لقبول إلهام الخبر يسمى: توفيقاً. والذي به يتهيأ لقبول وسواس الشيطان يسمى: إغواءً وخذلاناً. فإن المعاني المختلفة تفتقر إلى أسامٍ مختلفة. والملك عبارة عن خلقه الله تعالى، شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق والوعد بالخير والأمر بالمعروف. وقد خلقه وسخره لذلك. والشيطان عبارة عن خلق شأنه ضد ذلك، وهو الوعد بالشر والأمر بالفحشاء والتخويف عند الهم بالخير، بالفقر. فالوسوسة في مقابلة الإلهام. والشيطان في القابلة الملك، والتوفيق في مقابلة الخذلان. ثم قال الغزاليّ: ولا يمحو وسوسة الشيطان من القلب إلا ذكر سوى ما يوسوس به. لأنه إذا خطر في القلب ذكر شيء انعدم منه ما كان من قبل. ولكن كل شيء سوى الله تعالى، وسوى ما يتعلق به، فيجوز أيضاً أن يكون مجالاً للشيطان. وذكر الله تعالى هو الذي يؤمن جانبه ويعلم أن ليس للشيطان فيه مجال. ولا يعالج الشيء إلا بضده. وضد جميع وساوس الشيطان ذكر الله بالاستعاذة والتبرؤ عن الحول والقوة، وهو معنى قولك: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وذلك لا يقدر عليه إلا المتقون الغالب عليهم ذكر الله تعالى. وإنما الشيطان يطوف عليهم في أوقات الفلتات على سبيل الخلسة. قال الله تعالى:**{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ }** [الأعراف: 201]. ثم قال: فالوسوسة هي هذه الخواطر. والخواطر معلومة. فإذن الوسواس معلوم بالمشاهدة. وكل خاطر فله سبب، ويفتقر إلى اسم يعرّفه. فاسم سببه الشيطان. ولا يتصور أن ينفك عنه آدميّ. وإنما يختلفون بعصيانه ومتابعته. فقد اتضح بهذا النوع من الاستبصار معنى الوسوسة والإلهام، والملك والشيطان والتوفيق والخذلان. انتهى. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | 3 | 4 | | | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ)
قوله { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } إلى قوله { ٱلْخَنَّاسِ } قال قتادة الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس. { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ \* مِنَ ٱلْجِنَّةِ } قال محمد يعني الذي هو من الجن. قوله { وَٱلنَّاسِ } قال يحيى ومن شر شياطين الإنس. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ
* تفسير كتاب نزهة القلوب/ أبى بكر السجستاني (ت 330هـ)
(جنة) أي جن، كقوله تعالى: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }. وجنة: جنون، كقوله تعالى:**{ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ }** [سبأ: 46]. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ
* تفسير تذكرة الاريب في تفسير الغريب/ الامام ابي الفرج ابن الجوزي (ت 597 هـ)
والجنة الجن والمعنى من شر الوسواس الذي هو من الجن ثم عطف الناس على الوسواس فالمعنى من شر الوسواس ومن شر الناس كأنه أمر بالاستعاذة من الإنس والجن | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ)
- علي بن إبراهيم: و إنما هو: { أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ \* مَلِكِ ٱلنَّاسِ \* إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ \* مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } اسم الشيطان الذي هو في صدور الناس يوسوس فيها و يؤيسهم من الخير و يعدهم الفقر، و يحملهم على المعاصي و الفواحش و هو قول الله عز و جل**{ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ }** [البقرة: 268]. - و قال الصادق (عليه السلام): " ما من قلب إلا و له أذنان، على أحدهما ملك مرشد، و على الآخر شيطان مفتن، هذا يأمره و هذا يزجره، و كذلك من الناس شيطان يحمل الناس على المعاصي، كما يحمل الشيطان من الجن ". - ثم قال علي بن إبراهيم: حدثنا سعيد بن محمد، قال: حدثنا بكر بن سهل، عن عبد الغني بن سعيد الثقفي، عن موسى بن عبد الرحمن، عن مقاتل بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، في قوله: { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } يريد الشيطان (لعنه الله) على قلب ابن آدم، له خرطوم مثل خرطوم الخنزير، يوسوس لابن آدم إذا أقبل على الدنيا و ما لا يحب الله، فإذا ذكر الله عز و جل انخنس، يريد رجع، قال الله عز و جل: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } ثم أخبر أنه من الجن و الإنس، فقال عز و جل: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } يريد من الجن و الإنس. - محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " ما من مؤمن إلا و لقلبه أذنان في جوفه، اذن ينفث فيه الوسواس الخناس، و اذن ينفث فيه الملك، فيؤيد الله المؤمن بالملك، فذلك قوله:**{ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ }** [المجادلة: 22] ". الطبرسي: روى العياشي بإسناده، عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، و ذكر الحديث بعينه. باب أن المعوذتين من القرآن - محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف ابن عميرة، عن داود بن فرقد، عن صابر مولى بسام، قال: أمنا أبو عبد الله (عليه السلام) في صلاة المغرب فقرأ المعوذتين، ثم قال: " هما من القرآن ". - و عنه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي نجران عن صفوان الجمال، قال: صلى بنا أبو عبد الله (عليه السلام) المغرب، فقرأ بالمعوذتين في الركعتين. - علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | **" كان سبب نزول المعوذتين أنه وعك رسول الله (صلى الله عليه و آله) فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) بهاتين السورتين فعوذه بهما ".** - و عنه: عن علي بن الحسين، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف، فقال (عليه السلام): " كان أبي يقول: إنما فعل ذلك ابن مسعود برأيه، و هما من القرآن ". - الطبرسي، قال: في حديث أبي: من قرأ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } فكأنما قرأ جميع الكتب التي أنزلها الله على الأنبياء. - و عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): **" أنزلت علي آيات لم ينزل مثلهن: المعوذتان "** أورده مسلم في (الصحيح). - و عنه: عن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: **" يا عقبة، ألا أعلمك سورتين هما أفضل القرآن؟ ". قلت: بلى يا رسول الله، فعلمني المعوذتين، ثم قرأ بهما في صلاة الغداة، و قال: " اقرأهما كلما قمت و نمت ".** - و عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " من أوتر بالمعوذتين و { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } قيل له: يا عبد الله، أبشر، فقد قبل الله و ترك ". - و عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: **" إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) اشتكى شكوة شديدة، و وجع وجعا شديدا، فأتاه جبرئيل و ميكائيل (عليهما السلام)، فقعد جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه، فعوذة جبرئيل ب { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } و عوذة ميكائيل ب { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ".** - و عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: **" جاء جبرئيل إلى النبي (صلى الله عليه و آله) و هو شاك، فرقاه بالمعوذتين و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و قال: بسم الله أرقيك، و الله يشفيك من كل داء يؤذيك، خذها فلتهنئك ".** - و عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إذا قرأت { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } فقل في نفسك: أعوذ برب الفلق، و إذا قرأت { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } قل في نفسك: أعوذ برب الناس ". | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ)
قال الله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } قال أهل المعاني: لما كانت الاستعاذة من شر الموسوس في صدور الناس اقتطعهم من بين سائر الخلق، بإضافة الرب إليهم، تحقيقاً لمعنى استحقاق الاستعاذة به، وتنبيهاً لهم على الالتجاء إليه، والخضوع بين يديه؛ لأنه ربهم ومالكهم الذي يقدر على دفع ما يضرهم عنهم. و { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } عطف بيان، لأنه قد يقال لغيره رَبُّ. و { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } زيادة في البيان أيضاً، لأنه قد يقال لغيره جل وعلا رَبٌّ مَلِكٌ. وأما الإله فهو الذي لا يشارَك فيه. { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } وهو الشيطان. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" الشيطانُ جاثمٌ على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس ".** والخُنُوس: التأخر في خِفْيَة. قوله تعالى: { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ } جائز أن يكون في محل الجر صفة لـ " الوسواس ". وجائز أن يكون في محل النصب والرفع على الذم. وفي توجيه الآية أقوال: أحدها: أن " مِنْ " يتعلق بـ " يُوَسْوِسُ " ، ومعناه: ابتداء الغاية، على معنى: يوسوس في صدور الناس من جهة الجن ومن جهة الناس. قال قتادة: إن من الجن شياطين، وإن من الإنس شياطين، فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن. وقال ابن جريج: وَسْوَاسُ الإنس: وَسْوَسَةُ النَّفْس. القول الثاني: أن قوله: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان لـ " الناس " ، فإن الجن يسمون ناساً كما يسمون نفراً ورجالاً في قوله:**{ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 1]، وقوله:**{ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ }** [الجن: 6]. قاله الفراء. الثالث: أن قوله: " من الجنة " بيان لـ " الوسواس " ، أي: الوسواس الذي هو من الجِنَّة. وقوله: " والناس " معطوف على " الوسواس ". المعنى: من شر الوسواس ومن شر الناس. وهذا اختيار الزجاج. قال: وهذا المعنى عليه أمر الدعاء، أنه يستعاذ من شر الجن والإنس, ودليل ذلك:**{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ }** [الفلق: 2]. الرابع: أن الكلام تم عند قوله: " الخناس " ، وما بعده استئناف مضمونه البيان، بأن الموسوس من هذين النوعين؛ الجن والإنس، وتقريره ما ذكرناه في القول الثاني. وبالإسناد السالف قال أبو بكر السني: حدثنا أحمد بن محمد بن عبيد بن العاص، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا ابن جابر، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر الجهني قال: **" بينما أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لي: يا عقبة! ألا أعلمك من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ قلت: بلى يا رسول الله، فقرأ عليّ " قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس " ، قال: فلما أقيمت الصلاة -صلاة الصبح- قرأ بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مرّ بي فقال: كيف رأيت [يا عقبة]؟ اقرأ بهما كلما نمت وقُمت ".** | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | وبه قال أبو بكر: أخبرنا أبو عبدالرحمن، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا المفضل بن فضالة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها **" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم قرأ فيهما: " قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس " ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يمر بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات ".** وبالإسناد قال الحافظ أبو بكر السني: أخبرنا أبو عبدالرحمن -يعني: النسائي-، أخبرنا عمرو بن علي، حدثنا أبو عاصم، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثني أَسِيد بن أبي أسيد، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه قال: **" أصابنا عَطَشٌ وظُلْمَةٌ، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بنا، ثم ذكر كلاماً معناه، فخرج فقال: قل؟ قلت: ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثاً يكفيك كل شيء ".** آخر الكتاب والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- | | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- | | | 1 | 2 | | | --- | --- | --- | --- |
سُورَةُ النَّاسِ
Meccan
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
* تفسير الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم / تفسير الكازروني (ت 923هـ)
لَمَّا أمره بالاستعاذة مِنْ شرٍّ يعم الإنسان و غيره، أمره بالاستعاذة ممّا يخُصُّه فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ \* قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ }: خصّهُ به تشريفا ولاختصاص التوسوس به { مَلِكِ ٱلنَّاسِ }: ترقي من الأدنى إلى الأعلى، إذ الرَّبُّ قد لا يكون ملكا، وكذا في { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ }: نبه بتكرار الناس على شرفه، وبالصفات الثلاث على مراتب معرفته، فإنه يستدل بالنعم على ربه، ثم يترقى إلى أن يتحقق احتياج الكل إليه فيعلم أنه الملك ثم يستدل به على أنه المستحق للعبادة { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ }: هو حديث النفس، والمراد الشيطان الموسوس، سمي به مبالغة { ٱلْخَنَّاسِ } الذي يخنس أي: يرجع أو يتأخر عند ذكر الله { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ }: إذا غفلوا عن ذكر الله تعالى { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }: بيان للوسواس، أو للذي ووسوسة الناس لنا: إغواءهم لنا، بحيث يصل أثره إلى قلوبنا، أو للناس على أنه من الناسي لحق الله تعالى. | | | | | | | --- | --- | --- | --- | --- |